شهدت قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال العام 2023، تحولات كبيرة لم تشهدها منذ سنوات الانتفاضات والهبات الشعبيّة التي شهدها الفلسطينيون، وارتبط هذا التحوّل مع مطلع العام باعتلاء الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ دولة الاحتلال الإسرائيليّ سدة الحكم، وكان تاريخ ما بعد السابع من أكتوبر التّحول الأهم والأكبر على صعيد قضية الأسرى، وما تلاه من عدوان شامل ومتواصل على أبناء شعبنا، وإبادة جماعية يواصل الاحتلال الإسرائيليّ تنفيذها بحقّ شعبنا في غزة.
لقد فرضت هذه التحوّلات واقعًا هو الأكثر خطورة، نتيجة لمستوى الجرائم والانتهاكات التي نفذّها الاحتلال الإسرائيليّ، والتي اتخذت منحى عالٍ من التوحش الغير مسبوق، إن كنّا قارناها مع مستوى الجرائم التي نفّذها الاحتلال، في السنوات التي تصاعدت فيها مستويات المواجهة، والحالة النضالية ضد الاحتلال في سنوات الانتفاضات والهبات الشعبية، ويمكن قراءة مستوى الجرائم من عدة مسارات تشكّل فعليًا امتدادًا لنهج الاحتلال الإسرائيلي القائم على أساس نظام الفصل العنصري، وعمليات المحو المستمرة للوجود الفلسطينيّ، وأقل ما يمكن وصف هذا العام على واقع الأسرى فإنه العام الأكثر دموية منذ عام النكبة بالنسبة لأعداد الشهداء، وذلك جرّاء الإبادة الجماعية في غزة، والعدوان الشامل والمستمر في الضّفة، فلم يوفر الاحتلال أية أداة أو سياسة لاستهداف الفلسطينيين، وانتهاك كافة حقوقهم واستحداث أدوات جديدة لممارسة التوحش، وكانت سياسة الاعتقال، وجريمة التّعذيب، والإخفاء القسري، والإعدامات الميدانية، واغتيال معتقلين، بالإضافة إلى جريمة الاعتقال الإداريّ، وجريمة (العقاب الجماعي)، الجرائم الممنهجة الأبرز والتي طغت على واقع قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون ومعسكرات الاحتلال الإسرائيليّ.
واستنادًا للمعطيات والمتابعة الحثيثة التي عملت عليها مؤسسات الأسرى خلال هذا العام، نستعرض أبرز المعطيات حول عمليات الاعتقال، والجرائم والانتهاكات الكثيفة التي نفّذها الاحتلال سواء ما ارتبطت بعمليات الاعتقال، وكذلك بواقع الظروف الاعتقالية للأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيليّ.
بلغت حالات الاعتقال التي نفّذها جيش الاحتلال الإسرائيليّ خلال العام 2023 في الضّفة الغربية والقدس المحتلتين إضافة إلى حالات الاعتقال من غزة ما قبل السابع من أكتوبر، نحو 11 ألف حالة اعتقال، إلا أنّ هذه الحصيلة لم تشمل معتقلي غزة بعد السابع من أكتوبر. وبلغت حالات الاعتقال بين صفوف النساء (300)، وتشمل هذه الحصيلة النساء اللواتي اُعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1984 بعد السابع من أكتوبر، فيما بلغ عدد حالات الأطفال (1085).
فيما بلغت حالات الاعتقال بعد السابع من أكتوبر أكثر من (5500)، من بينهم (355) طفلا/ة، و(184) من النساء تشمل من الأراضي المحتلة عام 1948، وتوضح الحصيلة أن نسبة حملات الاعتقال في الثلاثة شهور الأخيرة من العام تشكّل ما نسبته النصف من حصيلة حملات الاعتقال خلال العام 2023، فيما لم تشمل هذه الحصيلة عمليات الاعتقال التي نفّذها الاحتلال بحقّ المواطنين من غزة بعد السابع من أكتوبر، والتي شملت المقاومين، والمدنيين بما فيهم العمال الذين جرى اعتقالهم من الأراضي المحتلة عام 1948، فلم يتوفر للمؤسسات معطيات دقيقة في ضوء جريمة الإخفاء القسري التي يواصل الاحتلال تنفيذها بحقّ معتقلي غزة.
وكانت أعلى نسبة في حالات الاعتقال خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الذي شهد بداية العدوان والإبادة الجماعية في غزة وبلغت (2070) حالة اعتقال، وكذلك كانت أعلى نسبة في اعتقال النساء خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر وبلغت (66)، فيما كانت أعلى نسبة في اعتقال الأطفال خلال شهر نيسان/ أبريل وبلغت (146)، وهي نسبة مقاربة جدًا لعدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر حيث بلغت (145)، وكانت أعلى محافظة في أعداد حالات الاعتقال خلال العام في محافظة القدس (3261)، تليها محافظة الخليل التي شهدت أعلى نسبة في أعداد المعتقلين بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بـ(1943) حالة، وجنين بـ(1462).
تؤكّد مؤسسات الأسرى أنّ هذه الحصيلة هي مقاربة لعدد حالات الاعتقال التي نفذت ما بين عامي 2001-2002 أي خلال سنوات الأولى على انتفاضة الأقصى مع الإشارة مجددًا إلى أنّ عدد حالات الاعتقال لم تشمل معتقلي غزة بعد السابع من أكتوبر، ولا تعكس فقط الارتفاع في أعداد من تعرضوا للاعتقال، بل إنها تشكّل بذاتها شهادة حيّة لمستوى التوحش الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحقّ المعتقلين الفلسطينيين، وعائلاتهم.
ويبلغ عدد إجمالي الأسرى في سجون الاحتلال حتى نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2023 (8800)، من بينهم أكثر من (80) أسيرة في سجن (الدامون) فقط فيما لم يتسن لنا التأكد من بقية النساء المعتقلات من غزة والمحتجزات في معسكرات أخرى، فيما لم تتوفر حصيلة دقيقة للأطفال في السجون، ويبلغ عدد الإداريين (3291)، وعدد من صنفهم الاحتلال بالمقاتلين غير الشرعيين (661)، وتعني هذه الحصيلة أنّ عدد إجمالي الأسرى زاد بـ 3550 أسير عن عدد الأسرى في السجون ما قبل السابع من أكتوبر، كما أن عدد الإداريين زاد بـ 1971 معتقل.
وعلى مستوى الفئات التي استهدفتها حملات الاعتقال، فإنها لم تستثنّ أي فئة، شبان، وأطفال، ونساء، ومسنين، وإلى جانب هذه الفئات، فقد كانت نسبة اعتقال الأسرى السابقين والمحررين ومنهم الجرحى الأعلى، إلى جانب اعتقال المئات من المواطنين الفاعلين والطلائعيين على المستويات الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والحركات الشعبية المناهضة للاحتلال، وشملت هذه الاعتقالات، صحفيون، وطلبة، وبرلمانيون، وحقوقيون، وفنانون، ومثقفون، وأساتذة، وأكاديميون، وعمال، وأطباء.
وشكلت جريمة الاعتقال الإداريّ التّحوّل الأبرز من حيث التصاعد الكبير في أعداد المعتقلين الإداريين والتي لم نشهدها منذ أكثر من 30 عامًا، حيث بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداريّ منذ مطلع عام 2023، أكثر من (5500) أمرًا، من بينهم (3819) جديدة و(1689) تجديد، وكان عدد الأوامر الصادرة بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أكثر من (2670) أي ما نسبته نحو (49) % من عدد الأوامر الصادرة خلال العام.
أما على صعيد أعداد الصحفيين المعتقلين في سجون الاحتلال فقد بلغ عددهم (50) بينهم صحفية، وكانت النسبة الأعلى في اعتقال الصحفيين بعد السابع من أكتوبر، حيث بلغ عدد حالات الاعتقال (49)، منهم (35) أبقى الاحتلال على اعتقالهم، و(20) منهم جرى تحويلهم إلى الاعتقال الإداريّ، فيما يواجه جزءًا منهم تهمًا تتعلق بالتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونستعرض هنا معطيات رقمية حول بعض الفئات من المعتقلين منهم البرلمانيون، حيث وصل عدد النواب المعتقلين في سجون الاحتلال (18) نائبًا بينهم النائب والأسيرة السابقة خالدة جرار، منهم (15) جرى اعتقالهم بعد السابع من أكتوبر.
وفيما يتعلق ببعض فئات الأسرى القابعين في سجون الاحتلال، فقد وصل عدد الأسرى المحكومين بالسّجن المؤبد (559)، وهناك عدد من الأسرى ينتظرون أحكامًا بالسّجن المؤبد، علمًا أن أعلى الأسرى حٌكمًا بين المؤبدات هو الأسير عبد الله البرغوثي الذي يقضي حكمًا بالسّجن المؤبد 67 مرة.
ويبلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلين بشكل متواصل منذ ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو (22) أقدمهم الأسير محمد الطوس المعتقل منذ عام 1985، وإلى جانبهم (11) أسيرًا من محرري صفقة (وفاء الأحرار) المعاد اعتقالهم، وهم ممن واجهوا الاعتقال منذ ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو، وجرى الإفراج عنهم عام 2011 ضمن صفقة (وفاء الأحرار)، ثم أعيد اعتقالهم عام 2014 وأعيد لهم أحكامهم السابقة، أبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي أمضى ما مجموعه في سجون الاحتلال (44) عامًا، علمًا أنّ عدد الأسرى المعاد اعتقالهم من صفقة (وفاء الأحرار) (48) أسيرًا.
وبلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة خلال عام 2023 (10) شهداء، كان أول من ارتقى خلال عام الشهيد الأسير والجريح وديع أبو رموز من القدس الذي ارتقى في مستشفى (هداسا) وكان ذلك في شهر كانون الثاني 2023، والشهيد الثاني أحمد أبو علي من مدينة يطا الذي ارتقى في مستشفى (سوروكا) في العاشر من شباط 2023 بعد تعرضه لجريمة طبيّة، وكان من بين شهداء الحركة الأسيرة الشهيد خضر عدنان من جنين، والذي أقدم الاحتلال على تصفيته، بعد إضراب خاضه، رفضًا لاعتقاله التعسفي، واستمر لمدة 86 يومًا وارتقى في الثاني من أيار 2023، فيما ارتقى (6) أسرى داخل سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر وحتى نهاية عام 2023 وهم: (عمر دراغمة من طوباس، وعرفات حمدان من رام الله، وماجد زقول من غزة، وشهيد رابع لم تعرف هويته، وعبد الرحمن مرعي من سلفيت، وثائر أبو عصب من قلقيلية)، علمًا أن إعلام الاحتلال كشف عن معطيات تشير إلى استشهاد معتقلين آخرين من غزة في معسكر (سديه تيمان) في (بئر السبع)، والاحتلال يرفض الكشف عن أي معطى بشأن مصير معتقلي غزة.
ويشار إلى أنّ 17 شهيدًا من شهداء الحركة الأسيرة واصل الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثامينهم حتى نهاية 2023، من بينهم (8) شهداء ارتقوا خلال العام 2023. وبذلك فإن عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 حتى نهاية عام 2023، بلغ (243).
وفي ضوء كثافة الجرائم المتصاعدة والإبادة المستمرة في غزة، فإننا نطالب الدول السامية الموقعة على اتفاقيات جنيف بضرورة الضغط على دولة الاحتلال لوقف عدوانها بحق الأسرى الفلسطينيين.
كما ونطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة ومستقلة للتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الأسرى الفلسطينيين منذ تاريخ السابع من أكتوبر، والضغط في سبيل وقف جريمة الاعتقال الإداري المتصاعدة.
وتوجه مؤسسات الأسرى مطالباتها إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتحمل مسؤولياتها باعتبارها الجهة الدولية المخولة بالاطلاع على وضع المعتقلين الفلسطينيين وزيارتهم في أماكن احتجازهم وإبلاغ عائلاتهم بمكان تواجدهم وظروف اعتقالهم، إضافة إلى زيارة السجون للاطلاع على وضع الأسرى بعد الانتهاكات التي طالتهم.
وأخيرًا فإننا نؤكد مطالبنا كذلك لكل الأحرار الذي خرجوا في الميادين في العالم تأييدًا للحق الفلسطيني، ورفضًا لجرائم الاحتلال، أن يواصلوا دعمهم للحق الفلسطيني، في سبيل تقرير مصيره.