طرقات ثقيلة على باب المنزل مزقت سكونه وأيقظت من فيه، ثم صرخات الجنود تتبعها بقسوة وتخرب كل ما أمامها من أثاث ومحتويات بانتقام وأبعد ما يكون عن ذريعة التفتيش الحاضرة دوماً.
"أين هشام؟!" صرخ أحدهم بتعالٍ وهو يسير في أرجاء المنزل ثم انتزع الفتى الذي أجاب بأنا من قميصه وشده إلى باب البيت، ولم تفلح صرخات والدته ولا كلمات والده بأن يودعوه على الأقل قبل أن ينتقل إلى عالمٍ مجهول المصير.
كانت تلك أحداث ليلة اعتقال الفتى هشام طقاطقة من بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم للمرة الرابعة على التوالي، حيث بدأت الاعتقالات بحقه حين كان طفلا في الرابعة عشرة، وهذه المرة اعتقل منذ بداية العام الحالي وحكم بالسجن لمدة خمس سنوات وشهرين.
ويقول والده أبو عصام لـ مكتب إعلام الأسرى إن هشام اعتقل من منزله بطريقة وحشية وبعدها نقل إلى آليات الاحتلال، ثم تم التحقيق معه لعدة أيام قبل أن ينقل إلى قسم الأسرى الأطفال أو كما يحلو للأسرى تسميتهم بالأشبال.
ويوضح الوالد بأن هشام وبعد اعتقاله للمرة الأولى أجبر على ترك دراسته بسبب تغيبه عن مقاعد الدراسة، والآن يحاول التقدم لامتحان الثانوية العامة لتعويض هذا الانقطاع الطويل.
وحول سنوات اعتقاله كان أمضى ستة أشهر في المرة الأولى وعاما وشهرين في المرة الثانية و44 شهرا في المرة الثالثة، والآن حكم بالسجن لخمس سنوات وشهرين بتهمة مقاومة الاحتلال.
افتقار الدعم
لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال بسبب كثرة الاعتقالات بحقهم خاصة في المناطق التي تشهد احتكاكات يومية ما بين الأهالي من جهة والجنود والمستوطنين من جهة أخرى مثل مدينتي القدس والخليل.
ولكن أعداد الأطفال في سجون الاحتلال عادة ما تتراوح ما بين 200 إلى 300 طفل أسير تحت سن 18عاما موزعين على مختلف المدن الفلسطينية، ويتعرضون لمعاملة قاسية على يد السجان الذي يستغل طفولتهم وينتهك قوانين دولية في التعامل معهم، حيث يتعرضون للضرب المبرح والتحقيق المتواصل والشتم والشبح والحرمان من النوم والزيارات والعلاج.
وتعتبر الحالة النفسية للأطفال المعتقلين هي الأكثر أهمية في أثر الاعتقال وقسوة السجان، حيث يعاني غالبيتهم من ظروف نفسية متقلبة جراء ما يتعرضون له في سجون الاحتلال وبعدهم عن أهاليهم دون أن تكترث المؤسسات الدولية لمعاناتهم عبر الضغط على الاحتلال لوقف اعتقالهم.
ومن بين هذه النماذج الفتى الأسير عدي الرجبي من مدينة الخليل والذي أكمل عامه الخامس عشر قبل أيام قليلة داخل الأسر، حيث كان اعتقل في العشرين من شهر أكتوبر الماضي بعد عودته إلى منزله ليلا.
وتقول والدته أم أحمد لـ مكتب إعلام الأسرى إن جنود الاحتلال اقتحموا المنزل بطريقة وحشية في المنطقة الجنوبية من الخليل واعتقلوا عدي وضربوه أمام والديه وقاموا بدفع شقيقه، وبعد أيام من اعتقاله تم عرضه على المحكمة التي أظهرت تعبه وإرهاقه ووضعا نفسيا سيئا.
وتوضح بأن نجلها قال لها في المحكمة إنه لم يفعل شيئا وإن الاحتلال يحاول إلصاق تهمة رشق الحجارة به، مؤكدا أنه لم يرشق الحجارة وأنه كان عائدا من عمله إلى المنزل.
وتؤكد الوالدة بأن الاحتلال يومها اعتقل ما لا يقل عن عشرة فتية من المنطقة تحت الحجة ذاتها، بعضهم تم الإفراج عنهم والبعض الآخر بقي رهن الاعتقال للعرض على المحاكم، لافتة إلى أن نجلها كانت تعلو وجهه نظرات الحزن خلال جلسة المحاكمة الأمر الذي ينبئ بتعرضه للضرب والإهانة.
وتضيف:" المنطقة التي نعيش فيها قرب المسجد الإبراهيمي نتعرض فيها لاعتداءات متواصلة من جنود الاحتلال والمستوطنين الذين لا يعاقبون ولا يتم اعتقالهم حتى لو هاجمونا، ولكن أطفالنا يتعرضون للضرب والتنكيل على تهم ملفقة، وخلال اعتقاله كان الجنود يتدربون على تقييد يدي عدي ويتعلمون فيه كيف يقومون بالتقييد والاعتقال".
وتشتكي العائلة من قلة الاهتمام الحقوقي والدولي بقضية الأسرى الأطفال حيث لم يقم بالتواصل معها أحد من المؤسسات المعنية بحقوق الأطفال".
عقوبات إضافية
ورغم قسوة الاعتقال وقهر السجن إلا أن الاحتلال لا يكتفي بذلك، بل يقوم بفرض عقوبات إضافية على الأسرى الأطفال تكون في معظمها غرامات مالية باهظة يضطر الأهالي لدفعها من أجل تخليص أطفالهم من هذا القهر.
ومن بين هؤلاء الأطفال كان جهاد بعيرات (15عاما) من بلدة كفر مالك شرق رام الله والذي تم اعتقاله في الصيف الماضي أثناء تواجده قرب الشارع الرئيسي المحاذي للبلدة.
ويقول والده لـ مكتب إعلام الأسرى إنه اعتقل لمدة شهر واحد بسبب دفع العائلة كفالة مالية باهظة، ولكن رغم ذلك لم يكتف القاضي الصهيوني بالكفالة بل فرض عليه الحبس المنزلي لثلاثة أشهر حرم فيها من حقه الطبيعي في اللعب والخروج من المنزل.
ويوضح أن نجله تعرض للضرب أثناء اعتقاله ما أدى لتأثر نفسيته كثيرا، إضافة إلى معاناته من آثار نفسية أخرى بسبب الحبس المنزلي وحرمانه من الخروج مع أصدقائه، وحتى التوجه إلى مدرسته خلال الأشهر الثلاثة تم بعد انتزاع المحامية قراراً بذلك.
ويضيف:" لم يتواصل معنا أحد من أصحاب الاختصاص بحقوق الأطفال وهناك تقصير كبير في هذا الجانب ما يجعل الأهل يحتملون أعباء أكبر منهم في ذلك".