"ستتعفن في السجن ولن ترى لك ذُرية!".. كانت كلمات ضابط التحقيق الصهيوني عام ٢٠٠٣ حين حقق مع الأسير بركة طه من الخليل بعد اعتقاله، حينها كان يظن الضابط أن الأسير سيقضي في الأسر أعواما طويلة، ولكنه تحرر عدة مرات!
المرة الأولى أوفت له المقاومة بوعدها عام ٢٠١١ وتحرر في صفقة وفاء الأحرار مع مئات الأسرى، فعاد إلى منزله بعد سبع سنوات ونصف من الاعتقال وتزوج وأنجب رقية وإبراهيم، ولم يكن الطفل قد بلغ ستة أشهر حتى أعيد اعتقال والده عام ٢٠١٤ مع عشرات من الأسرى المحررين في الصفقة بالضفة المحتلة.
ولكن لغة التحدي بقيت لدى الأسير وعائلته، فأنجب قبل ثلاثة أعوام طفله محمد ليعبر عن رفضه لقيود الاحتلال وللسجن وظلم السجان.
ورغم ذلك أصر الأسير على إكمال التحدي وأنجبت زوجته قبل يومين؛ ثلاثة أطفال من النطف المهربة أطلقوا عليهم اسم حور العين وصلاح الدين ونور الدين.
وتقول زوجة الأسير لـ مكتب إعلام الأسرى إن ما شجعها هو أن إنجاب الأطفال عن طريق النطف المهربة يمثل رسالة تحد للاحتلال الذي يظن أنه بسجنه يمكن أن يوقف مسيرة حياة الأسرى.
وتوضح أن حياة الأسرى ملأى بالصمود والتحدي في ظل قهر الاحتلال ومحاولته التأثير على نفسية الأسرى وعائلاتهم.
وأضافت:" كان خلال سنوات اعتقاله يحاول فتح الموضوع معي ويخشى أن أكون رافضة لقضية تهريب النطف، ولكن حين عرض علي الأمر كنت متشجعة للغاية وسعيدة بالأمر، صحيح أن هذا الأمر مليء بالصعاب لأن زوجي في الأسر ولكنني أصبر طمعا في الأجر وكي أوصل رسالة التحدي للاحتلال".
صعاب وثبات
ورغم العراقيل التي ترافق زوجات الأسرى في هذه التجربة إلا أن أمورا كثيرة تخفف عنها العناء، فوجود الأهل والأقارب والأصدقاء يساهم في مساعدتها على تحمل أعباء هذه المرحلة.
وتقول أم إبراهيم إن وجود الزوج في السجن أمر غاية في الصعوبة على زوجته وأطفاله، ولكن الله يبعث الأهل والأقارب ليخففوا الصعاب ويسهلوها قليلا عليها وعلى أطفالها.
وحول تجربتها الأولى في إنجاب طفل من النطف المهربة قبل ثلاثة أعوام توضح أنها حاولت قدر الإمكان أن تعرف طفلها بوالده الذي لم يره أبدا، وقامت بتوزيع صوره في أرجاء البيت كي تجعله مألوفا لدى طفله، وتردد كلمة "بابا" طيلة الوقت كي يعرف أن له أباً مغيبا.
وتتابع:" حين كان محمد يسألني أين بابا أقول له في السجن، ولكنه لا يدرك معنى السجن فأحاول أن أعوضه هذا الغياب وأشتري له الألعاب والهدايا وأقول له إنها من والده، فأصنع علاقة بينهما لم تكن لتولد بسبب الغياب والبعد".
وتشير إلى أن الاحتلال يتعمد التضييق على الأهالي في قضية أطفال النطف المهربة، حيث يحاول منعهم من زيارة آبائهم والتنكر للعلاقة بين الطفل ووالده، فبقي محمد طفلها محروما من رؤية أبيه لعامين كاملين حتى سُمح له بالزيارة أخيراً.
وحين التقى الطفل والده كان مهيأً لذلك ولم يخف منه على عكس التوقعات بسبب عدم معرفته به، ولكنه تفاعل معه ما أضفى شعورا جيدا لدى الوالدين.
ورغم أن الأسير أعيد له الحكم بالسجن لمدة ٣٥ عاما وحرمان عائلته من زيارته بحجة المنع الأمني، إلا أن ولادة أطفاله الثلاثة خففت عنه ثقل الأسر وظلمة الزنازين، فسفراء الحرية هم رسالة التحدي للاحتلال والثقة للأسرى بأن شمسهم لا تغيب.