"بدي ولادي" كانت الجملة التي هزت قلوب الكثيرين بعد أن صرخت بها الصحفية المقدسية لمى غوشة خلال نقلها مكبلة اليدين والقدمين إلى جلسة محاكمتها في القدس المحتلة، فهي لم تكترث لحجم الألم الذي تعرضت له ولكنها كما كل أم بقي قلبها يخفق بصورة أطفالها تطالب برؤيتهم وهو أبسط حق.
بالطبع لم يسمح لها السجان الصهيوني برؤيتهم، وبالطبع لم تهزه عباراتها وهي تبكي خلال نقلها مثقلة بالقيود، ولكنها كلمات أظهرت حجم ما تعانيه منذ اعتقالها وما تعرضت له من ظروف تحقيق قاسية جعلتها تصرخ رغم منع الجنود لها لتقول إنها تتعرض لضغوطات كبيرة وتقبع في العزل الانفرادي.
تهم فضفاضة
اعتقلت لمى من منزلها في حي الشيخ جراح في الرابع من أيلول/ سبتمبر الحالي بطريقة وحشية أمام أطفالها، وبزعم التفتيش قام الجنود بتخريب محتويات المنزل ومصادرة بعضها.
بعد ذلك تم نقل غوشة إلى التحقيق الذي مكثت فيه قرابة تسعة أيام، وكشف محاميها عن تعرضها للتعذيب النفسي خلال التحقيق ولجلسات مكثفة متواصلة منه، كما احتجزت طيلة هذه الفترة في عزل سجن "هشارون".
عقدت عدة جلسات محاكمة للصحفية المقدسية، وفي كل مرة كان يتم تمديد اعتقالها بحجة استكمال التحقيق، وفي الجلسة الأخيرة تم تمديد اعتقالها لستة أيام مع نية تقديم لائحة اتهام لها بزعم "التحريض"، ولكن الاستئناف المقدم من المحامي أدى لقرار المحكمة بالإفراج عنها ضمن شروط مقيدة تشمل الحبس المنزلي لمدة عشرة أيام ومنع استخدام الهاتف أو الحاسوب أو الإنترنت.
أما تهمة التحريض فلفقها الاحتلال لها بزعم وضع صورة الشهيد إبراهيم النابلسي في منشور على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، إضافة إلى صور مقاومين وشهداء من العدوان الأخير على قطاع غزة.
وفي هذا السياق يؤكد المحامي خالد زبارقة أنه بعد الاطلاع على لائحة الاتهام الموجهة إلى الصحفية لمى غوشة يمكن القول بكل ثقة أننا أمام تطبيق لقانون الغاب الذي يسعى إلى العبث في وعي الفلسطينيين بواسطة سطوة السلطة والقانون.
وأوضح أن ما نسب إلى الصحفية لمى هو منشورات تعكس من خلالها قناعات الشعب الفلسطيني في الأحداث الساخنة على الساحة الفلسطينية، وبطبيعة الحال فإن الفلسطيني ينحاز إلى رواية وسردية شعبه الذي ينتمي إليه.
واعتبر أن الاحتلال يسعى إلى صهينة الخطاب العام الفلسطيني، أو على أقل تقدير، فرض حالة من التنكر للرواية الفلسطينية حتى على مستوى النشر الإعلامي.
وأضاف:" هذه سياسة ظلامية ولا تستند إلى نظرية علمية معتبرة، وتعكس حالة اليأس التي تنتاب صناع القرار عند الاحتلال لأنه بات على قناعة أنه يخسر الرأي العام ليس فقط عند الشعب الفلسطيني وإنما أيضاً عند الشعوب العربية الحرة ولم يعد يستطيع التأثير لصالحه، لذا فهو يلجأ إلى ممارسة السياسات الخشنة من اعتقال ولوائح اتهام ومحاكمات وتمديد توقيف لكبت الرأي العام وإسكاته".
وقال إن هذه السياسات فشلت عند أكثر الشعوب تخلفاً على وجه الكرة الأرضية فبطبيعة الحال لن تنجح عند الشعب الفلسطيني العريق.
أما والد لمى فأبدى ارتياحه لقرار الإفراج رغم الشروط القاسية التي وضعت عليها، وقال إنها التجربة الأولى التي تمر بها ابنته في الاعتقال، كما أنها عانت من التحقيق وجلساته المكثفة.
ورأى أن قرار محكمة الاحتلال بالإفراج عنها يدلل على أن التهم الموجهة لها مبالغ فيها، وأن الاحتلال يحاول أن يلصق بها هذه التهم لسنّ سياسة ضد الصحفيين والنشطاء تمنعهم من التعبير عن رأيهم بحرية.
وأضاف:" لمى شجاعة وبطلة لأنها احتملت الأيام العشرة في الاعتقال وشعوري كوالدها مليء بالفرح بعد قرار الإفراج لأنها كانت في غرفة عزل انفرادي والآن ستلتقي بعائلتها".