صدح أذان الفجر لينذر بقرب موعد مؤلم؛ فالعائلة لم تنم ليلتها تلك وهي تتحضر لتسليم ابنها نفسه لشرطة الاحتلال لقضاء محكومية بالسجن لعدة أشهر.
ومع ساعات الصباح الباكر ودّع الشاب المقدسي عيسى الفيراوي عائلته بدموع وأحضان قبل أن يتوجه إلى مقر شرطة الاحتلال ليقضي حكمه الجديد، وليفتح بذلك ملف خيارات قاسية أمام المقدسيين في ظل احتلال جائر يريد فرض قيوده عليهم.
السجن أحب!
يقطن الشاب الفيراوي (٢٠ عاما) في البلدة القديمة من القدس المحتلة؛ وتعرض لعشرات الاعتقالات على يد شرطة الاحتلال بتهمة وبلا تهمة، وقبل أيام قليلة سلم نفسه لشرطة الاحتلال لقضاء محكومية بالسجن لستة أشهر، فما السبب الذي يدفع المقدسيين لذلك؟!
في اعتقاله الأخير والذي حمل رقم سنين عمره؛ أصدرت محكمة الاحتلال على الفيراوي حكما بما يسمى بخدمة الجمهور؛ وهي أن يعمل مجانا في مؤسسة احتلالية لساعات طويلة يوميا تعطل عمله ودراسته، وذلك في محاولة انتقامية منه إضافة إلى فرض غرامة مالية عليه.
ويقول الفيراوي قبل دقائق من توجهه لمركز شرطة الاحتلال إنه رفض ذلك؛ فخيرته المحكمة ما بين السجن الفعلي أو المضي في خدمة الجمهور المذلة، ولكنه اختار السجن على ذلك.
وأضاف:" أعلم أنني سأشتاق لعائلتي وسأبتعد عنهم لأشهر لا أعلم ناذا سيحدث خلالها لهم، ولكنني أرفض ذل الاحتلال وأريد أن أعيش على طريقتي وليس على طريقتهم".
أما والدته فتقول وهي تمسح دموعها بعد حضن طويل لنجلها الذي سيغيب في سجون الاحتلال؛ إن السجن هو أصعب شيء قد يحدث للإنسان؛ ولكن الاحتلال لم يترك مجالا أمام عيسى فأجبره على تسليم نفسه كي لا يخدم الجمهور.
وأضافت أن ما يفعله الاحتلال بحق الشبان المقدسيين قاس للغاية؛ فابنها تعرض لاعتقالات عديدة انتهت معظمها بالحبس المنزلي؛ وهذا الحبس كان قاسيا للغاية لدرجة أنها تمنت أن يتخلص منه بالسجن الفعلي كي ينهي محكوميته وما عليه من تهم لفقها الاحتلال بحقه.
وكان الفيراوي اعتقل على عدة تهم بينها التحريض ورفع رايات حركة حماس ورشق الحجارة؛ ولكن الاحتلال كان يستغل كل حدث صغير في محيط المسجد الأقصى لاعتقاله وزجه في السجن ثم إلى الحبس المنزلي.
ممنوع من الحياة!
القرار ذاته اتخذه الطفل عبد الله الرجبي (١٤ عاما) من بلدة سلوان؛ حيث قرر تسليم نفسه لشرطة الاحتلال كي ينهي محكوميته بالسجن لأربعة أشهر.
وقال وقتها عبد الله من أمام باب مركز شرطة الاحتلال إنه سئم الحبس البيتي الذي فرض عليه لأكثر من تسعة أشهر، وقرر أن ينهيه بسجن فعلي ليزيح عن كاهله تهمة الاحتلال الملفقة برشق الحجارة.
وأضاف:" قد تستغربون أنني أختار السجن على الجلوس في المنزل؛ ولكن الحبس البيتي صعب للغاية وممنوع علي الذهاب للمدرسة أو حتى للطبيب إلا بشروط قاسية؛ ممنوع أن أتوقف على عتبة بيتي أو أن أرى أصدقائي".
وهكذا يوضع المقدسيون أمام خيارين أحلاهما مر؛ فيختارون السجن على البقاء رهينة لشرطة الاحتلال التي تخترع القوانين لمعاقبتهم وتقييد حرياتهم.