ينهش الأعمار والسنوات وأجمل ما فيها؛ تضيع عليهم المناسبات واللقاءات ويرحل الأحبة دون وداع، تجديد وراء تجديد وأشهر تتلوها أشهر لا شيء يسندها سوى قرار جائر من مخابرات الاحتلال التي تتلقف الأسرى لتزجهم في هذا الاعتقال.
الاعتقال الإداري بات مصطلحا تخشاه العائلات وتدعو الله أن يتحول لحكم عادي؛ لشدة ما يعانيه الأسير في رحاه وبين حبائله الطويلة، فتمر السنوات ويكبر الأطفال والوالد غائب خلف القضبان بقرار إداري جائر لا يكاد يفك عنه حتى يعود إليه من جديد.
خطوات احتجاجية
يقبع في سجون الاحتلال ما يزيد عن 500 أسير إداري، لا يعلمون متى تنتهي مدة اعتقالهم تحت حجة الملف السري الذي تتذرع به محاكم الاحتلال الشريكة في الجريمة، حيث أصبح دون سقف زمني مخالفا لكل الأعراف والمواثيق الدولية، ويضرب بعرض الحائط كل مبادئ حقوق الإنسان.
مكتب إعلام الأسرى قال إن هذا الواقع المرير للأسرى الإداريين دفعهم إلى اللجوء لخطوات احتجاجية عديدة للتعبير عن رفضهم لهذا الشكل من الاعتقال التعسفي، ورفضهم البقاء في السجون لفترات طويلة، ومن بين تلك الخطوات كان "الإضراب عن الطعام" والذي لجأ إليه الأسرى بشكل جماعي وفردي، وكذلك خطوة مقاطعة محاكم الاحتلال الإدارية بكافة أشكالها والتي لجأوا إليها مرات عدة.
الأسرى الإداريون كانوا في فبراير من العام 2018 أقدموا على خطوة مقاطعة محاكم الاعتقال الإداري بكافة أشكالها واستمرت ما يزيد على سبعة أشهر كاملة، حيث أصدروا في حينه بيانا أشاروا فيه الى أبرز الأسباب لمقاطعة المحاكم الصهيونية والتي تمثلت في تصاعد أعداد الإداريين بشكل كبير، ومنع المحامين من الدفاع عن الأسير أو الاطلاع على التهم الموجهة له في ظل وجود ما يسمى بالملف السري.
ومقاطعة المحاكم جاءت كذلك بسبب أن الاحتلال يحاسب الأسير على ملفاته السابقة؛ بمعنى أنه يعتقل على التهم ذاتها أكثر من مرة، وإعادة الأسرى للاعتقال الإداري بعد فترة قصيرة جدًا كما حدث في الأعوام الأخيرة؛ حيث لا يبقى الأسير خارج الأسر إلا أياما قليلة.
سلاح وحيد
الباحث رياض الأشقر مدير مركز فلسطين لدراسات الأسرى قال إن الأسير الفلسطيني لا يجد سلاحاً لمواجهة هذا الظلم المتجسد في الاعتقال الإداري إلا معركة الأمعاء الخاوية؛ حيث قاد الأسرى الفلسطينيون هذه المعركة بالرغم من قسوتها واستطاع العشرات من الأسرى الإداريين الانتصار فيها والحصول على حريتهم.
واعتبر أن خطوة مقاطعة المحاكم بكافة مستوياتها قوية لفضح هذه السياسة الظالمة وتعرية الاحتلال في الكثير من المحافل الدولية، وتسليط الضوء عليها وبيان عدم شرعيتها ومخالفتها للقانون الدولي واستخدام الاحتلال لها بشكل تعسفي؛ وعقاب جماعي للشعب الفلسطيني وليست حالات فردية كما سمحت القوانين الدولية.
وأوضح الأشقر أن المحاكم الإدارية بجميع مراحلها من المحاكمة مرورا بالتجديد والاستئناف إلى المحكمة العليا جميعها صورية، ولا يستطيع الأسير الاطلاع على المواد السرية المتعلقة بقضيته، ولا يستطيع تقديم دفاع عن نفسه أو السماح لمحاميه بالدفاع عنه، حيث أن القرار تتخذه المخابرات الصهيونية، أما المحكمة فهي فقط إجراء شكلي "تجميلي" لخداع العالم.
وأضاف:" جرائم الاحتلال فيما يخص مخالفة القانون الدولي وحقوق الإنسان ليس لها حدود، بل يتم تغليفها بستار قانوني مزيف لتضليل الرأي العام والمؤسسات الدولية، لذلك تأتي هذه الخطوة الهامة لكشف هذا الزيف وهذه الادعاءات الكاذبة للاحتلال".
وذكر أن الأسرى الإداريين خاضوا اضراباً مفتوحاً عن الطعام بشكل جماعي عام 2014 هو الأطول في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة، حيث استمر 62 يوماً متتالية قاطعوا خلاله العيادات الطبية ورفضوا أخذ الفيتامينات والمدعمات؛ فأقدمت إدارة السجون على نقل عدد كبير منهم إلى المستشفيات نتيجة تدهور وضعهم الصحي إلى حد الخطورة.
وعلق الإداريون إضرابهم نتيجة تغير الظروف في الشارع الفلسطيني عقب عملية اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل، حيث شن الاحتلال حملة قمع واعتقالات واسعة؛ الأمر الذي دفعهم الى وقف الإضراب المفتوح بعد 62 يوماً.
ويطالب اعلام الأسرى كافة أبناء الشعب الفلسطيني للتضامن الواسع مع الأسرى الإداريين وإسنادهم بكل الطرق والوسائل لإنجاح خطوتهم النضالية وتشكيل ضغط على الاحتلال للاستجابة لمطالبهم، كما دعا المؤسسات الحقوقية العمل على تجهيز ملفات لرفعها للمحاكم الدولية لوقف هذا القانون، وكشف وتعرية الاحتلال في المحافل الدولية.