حين يصبح الحلم فقط تسكين الألم القاتل رغم قهر السجن والسجان؛ فلا بد من معاناة تفوق الوصف، وحين تكون حبة الدواء هي الأمل الوحيد بين غابات الوجع؛ فلا بد أن صاحب الألم غارق في الهمّ والحزن ولا يجد لحالته حلا قريبا.
هذه الحكاية حقيقية وليست من نسج الخيال؛ فالأسير المقدسي الجريح أيمن الكرد (٢٥ عاما) يعيش تفاصيلها لحظة بلحظة، ويتجرع الألم يوميا حتى باتت المسكنات لا تفيده بشيء.
الاعتقال والإصابة
في التاسع عشر من أيلول/ سبتمبر من عام ٢٠١٦ وفي خضم انتفاضة القدس؛ قرر الشاب أيمن حسن الكرد من سكان بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة أن يثأر للأقصى ولنزيف الشهداء، فنفذ عملية طعن في مدينته أصاب خلالها شرطيين بجروح خطيرة.
الاحتلال أطلق عليه ١٣ رصاصة وأبقاه ينزف ملقيا على الأرض دون أي اهتمام، ففقد كمية كبيرة من الدماء ونقل بعد أكثر من ساعة إلى المستشفى، وهناك كانت المعاملة قاسية لدرجة أنه لم يقدم له العلاج اللازم.
تركزت الإصابات في عموده الفقري؛ وبقيت عشرات الشظايا في جسده دون أن يقبل الاحتلال إزالتها كي تستمر في إمعان الألم داخله، فتفاقم وضعه الصحي وأصبح الآن حبيس السجن والوجع.
أصدر الاحتلال عليه حكما بالسجن لمدة ٣٥ عاما تفوق عدد سنوات عمره؛ وأبقاه في دوامة الألم الجسدي والإهمال الطبي.
المعاناة مستمرة
كان يقبع الكرد في سجن جلبوع قبل أن يقوم الاحتلال بقمع الأسرى فيه ونقلهم منه؛ وبعد ذلك لم ترد أخبار عن مكان تواجده.
ويقول الأسير المقدسي المحرر محمد البكري الذي كان يعيش في نفس الغرفة مع أيمن ويساعده في كل شيء؛ لـ مكتب إعلام الأسرى إن حالة الكرد تفوق الوصف من حيث المعاناة فهو يعاني من شلل نصفي ولا يغادر كرسيه المتحرك ويتناول في اليوم الواحد أكثر من عشرة أنواع من الأدوية لتسكين آلامه ولا يحدث ذلك.
ويوضح أن الأسير وبسبب كثرة أنواع الأدوية بات يعاني من آلام حادة في الكلى؛ كما أن ظروف اعتقاله لا تصلح لأسير جريح يعاني كل هذا الوجع؛ حيث أن التقرحات داهمت جسده بسبب سوء الفراش الذي يستخدمه، وإدارة السجن تمعن في الإهمال الطبي بحقه وتقول إنها لا تستطيع فعل شيء له.
قبل ثلاثة أشهر تحرر البكري من السجن وبقي شقيقه أحمد في نفس الغرفة مع أيمن ليرعاه؛ وفور تحرره قرر عرض حالته على طبيب مختص ليخبره أن كل خلاياه قد ماتت ولم يعد هناك أمل بشفائه، رغم أن أيمن كان في بداية إصابته يشعر بساقيه ولكن بسبب الإهمال الطبي ماتت خلاياهما.
ويصف اليكري حال صديقه بأنه غارق في الدواء والمسكنات التي لم يعد يستجيب لها جسده، كما أن عدم تقديم علاج طبيعي له كما تستوجب حالته جعلت ساقاه يتكلسان فلا يستطيع إرجاعهما للخلف؛ ما دعا البكري وشقيقه لابتكار طرق عدة داخل غرفة السجن لعمل تمارين لساقيه؛ مثل ربط حبال مع السرير.
ويؤكد أن حالة الكرد الصحية أثرت كثيرا على حالته النفسية فأصبح حزينا دائما وقليل الكلام والتفاعل؛ ناهيك عن عدم تمكنه من النوم بسبب الألم المستمر، حيث يعتبر اليوم الذي ينام فيه أربع ساعات فقط من أفضل الأيام!
وحين يريد أيمن قضاء حاجته ويحدث ذلك مرة فقط في الأسبوع؛ يضطر للجلوس في دورة المياه أربع ساعات على الأقل، وفي هذا الإطار تحرمه إدارة السجن من غذاء صحي متوازن رغم مطالبة صديقه البكري بذلك، حتى بات يتناول علبة من التونا المعلبة يوميا فقط حتى لا يؤثر ذلك على أمعائه فيزداد ألمه.
وفوق معاناته تفرض إدارة السجون على الحرد غرامة مالية باهظة تفوق ٣٠ ألف شيكل؛ وتخصمها من مخصصاته في الكانتينا التي هو محروم منها كذلك.
ويشير البكري إلى أن مئات الشظايا تنتشر في جسد أيمن وبعضها يستطيع الشخص لمسه تحت الجلد ولكن الاحتلال يمتنع عن إزالتها.
ورغم معاناته كلها اعتدى السجانون على الكرد مؤخرا ما أدى إلى انفصال مفصل ركبته عن بعضه؛ وحتى الآن لم يقدم له الاحتلال أي علاج رغم أنه ظاهر بشكل واضح انفصاله وصوته.
وناشد البكري كل من له قلب أن يساهم في الضغط على الاحتلال لعلاجه وتخفيف آلامه ومعاناته، فهذا الوجع لم يعد محتملاً ولا تقوى عليه الجبال.