لا تمر فعالية أو اعتصام أو مسيرة إلا كان ذاك الرجل الخمسيني الذي يغزوه الشيب يتقدمها بل ويشجع الحشود على المشاركة فيها، ولا تخلو منازل الأسرى والشهداء من حضوره المستمر الذي ربما يزيد عن أوقات حضوره في منزله.
هكذا يكنَّ الوطن قلب الشيخ الأسير جمال الطويل (٥٨ عاما) من مدينة البيرة والذي تحفر زنازين الاحتلال ظلالها في جسده، فاعتقالاته تزيد على ١٥ عاما مجتمعة، بل وطالت الاعتقالات زوجته وابنته.
اعتقالات ممنهجة
الهدف الرئيسي للاحتلال ألا يكون هذا الرجل حرا؛ فهو أحد قيادات حركة حماس في محافظة رام الله والبيرة؛ ووجه محبوب للغاية بين أوساط الفلسطينيين ورجل إصلاح وشخصية لها بصمتها في العمل الدعوي والخيري والوطني.
تقول زوجته الأسيرة المحرر منتهى الطويل لـ مكتب إعلام الأسرى إن قوات الاحتلال بدأت اعتقال الشيخ منذ أن كان في الصف التاسع الأساسي بتهمة المشاركة في رشق الحجارة؛ ثم كان اعتقاله الثاني عام ١٩٨٩ لمدة سبعة أشهر ضمن اعتقالات الانتفاضة الأولى.
والشيخ الذي درس الشريعة الإسلامية في كلية الدعوة وأصول الدين في القدس المحتلة متسلحاً بعلمه الذي اكتسبه فترة الثانوية في مدارس الأقصى الشرعية؛ كان يعلم تماما أن الصراع مع الاحتلال طويل ويحتاج للبذل والتضحية، وأن الاعتقالات بحقه لن تتوقف وسيدفع في هذا الطريق ثمنا باهظا.
توالت الاعتقالات بحق الشيخ وكان من المبعدين إلى مرج الزهور في جنوب لبنان مع قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وفي عام ٢٠٠١ كان ابن شقيقه ضياء الطويل أحد الاستشهاديين الذين زلزلوا الكيان بفعالهم؛ وبعدها أعاد الاحتلال اعتقال الشيخ إداريا عدة مرات حتى عام ٢٠٠٢ حين تم اعتقاله لخمس سنوات متتالية حتى عام ٢٠٠٧.
وتوضح زوجته أن الله رزقهما بثلاثة أبناء وابنة؛ ولكنه لم يشهد الكثير من حياتهم بسبب اعتقالاته المستمرة، وكذلك تم انتخابه خلال اعتقاله رئيسا لبلدية البيرة من داخل سجنه، ليتسلم هذه المهمة رسميا في عام ٢٠٠٨ وحتى عام ٢٠١٢.
وخلال عمله في رئاسة البلدية اعتقل الاحتلال زوجته لمدة عام كامل؛ وكان يعرضها على المحاكم مرك ضمن اعتقال إداري ومرة ضمن ملف وتهمة وذلك للتشويش على عمله في البلدية، وكذلك تم اعتقال ابنته بشرى في عام ٢٠١١ والحكم عليها لمدة ١٦ شهرا أمضت منها خمسة أشهر قبل الإفراج عنها في صفقة وفاء الأحرار.
وخلال عمله في البلدية تعرض كذلك للاعتقال لمدة شهرين؛ وحاول الاحتلال ابتزازه وثنيه عن رئاستها ولكنه رفض ذلك وقال للسجانين إنه منتخب بشكل نزيه وديمقراطي، وبعد إنهائه لمهامه اعتقل عام ٢٠١٣ مرتين استمرت إحداها حتى عام ٢٠١٧.
دفع الشيخ الكثير من حريته خلال هذه الفترة؛ وتوالت الاعتقالات التي تعبت زوجته من إحصائها؛ ولكنها تذكر أن الاحتلال وبين عامي ٢٠٠٢-٢٠١٨ منعها من زيارة زوجها بحجة المنع الأمني.
وخلال تلك السنوات أعيد كذلك اعتقال ابنته بشرى عدة مرات، كانت آخرها عام ٢٠٢٠ وما زالت إلى الآن تقبع ضمن الاعتقال الإداري، كما تم اعتقال والدها في ١/٦/٢٠٢١ وتحويله للاعتقال الإداري.
وتشير زوجته إلى أن الاحتلال كان يتعمد دوما اعتقال الشبخ أو ابنته بعد أو قبيل الإفراج عن أحدهما كي لا يلتقيا في المنزل أبدا، مبينة أن غالبية حياة العائلة أصبح يتحكم السجن فيها لكثرة الاعتقالات التي تعرض لها أفرادها.
الإضراب لحريتين!
ولأنه طالما كان يشحذ الهمم؛ فالنصيب الأكبر منها تشكّل شخصيته القيادية؛ فالشيخ أعلن إضرابه عن الطعام بعد يوم واحد من اعتقاله رفضا لاستمرار اعتقال ابنته بشرى إداريا، وبعد ١٢ يوما من تجاهل الاحتلال لمطلبه أضاف مطلب الإفراج عنه وإنهاء اعتقاله الإداري.
وتصف الزوجة هذا القرار بالجريء وغير المسبوق؛ أن يقوم أسير بالإضراب للإفراج عن ابنته قبل البحث عن حريته، لافتة إلى أن ابنتها الأسيرة كانت هددت بخوض إضراب عن الطعام إذا استمر اعتقالها الإداري، ولكن والدها أعلن إضرابه ليزيل عن كاهلها هذا الثقل.
وتوضح أن الاحتلال يمنع الزيارات للأسيرة؛ فيتواصل الأهل معها فقط عبر رسائل الإذاعة والمحامين، كما أن الشيخ محتجز منذ عدة أيام في عزل سجن الشارون ويعيش على الماء فقط.
الشيخ ورغم التهديدات الشرسة باعتقاله أعلن عن ترشحه قبل عدة أشهر ضمن قائمة القدس موعدنا التي تم اعتقال أكثر من عشرة من أعضائها خلال أسابيع قليلة؛ وحين سأله المقربون منه ألا تخشى الاعتقال كان يردد "القدس بدها رجال".
وتذكر الزوجة موقف قيام الشيخ بطلب عروس ابنه عبر الهاتف من سجن عوفر عام ٢٠١٧؛ قائلة إنه يلخص حياتهم في ظل دوامات الاعتقال التي ينفذها الاحتلال بحق زوجها منذ ثلاثين عاما.