لطالما جذبته قضية الأسرى ومعاناتهم؛ لم يترك فعالية إلا وكان من أوائل المشاركين فيها لإعلاء صوته المساند لهم، يحمل صورهم ويهتف لهم ويحث الناس على المشاركة في الفعاليات رغم صغر سنه بالنسبة لهم.
أحمد سامي طوافشة (٣٠ عاما) من قرية سنجل شمال رام الله كان شابا يحترق حين يسمع عن آهات الأسرى وأوجاعهم؛ يفر دمعه منه قسرا حين ينظر إلى صورهم وحزن أطفالهم، فلجأ إلى أضعف الإيمان وأقل القليل وهو المشاركة في الفعاليات المناصرة لهم.
وصلت أنباء عن بدء الأسرى إضرابهم عن الطعام عام ٢٠١٢، وكعادته هب طوافشة ليشارك في المسيرات بل ويتقدمها ويهتف بصوته الجهوري لأجلهم، وحين وصلت إحدى المسيرات في تاريخ العشرين من أيلول/ سبتمبر من ذاك العام إلى أمام بوابة سجن عوفر غرب رام الله؛ انهال الجنود برصاصهم المتفجر يقمعون المتظاهرين.
أحمد كان يتقدم الصفوف كما اعتاد ولم يخف أو يجفل؛ بقي يهتف حتى اللحظة الأخيرة ثم شعر بقطعة حديدية تخترق ساقه وتلهب خلاياها؛ ولم يسقط أرضا إلا حين شعر بعدم القدرة النهائية على المواصلة في المسيرة.
أصوات المتظاهرين ملأت المكان وبنطال أحمد تخضب بدمه؛ نقله الشبان إلى أقرب مركبة لإيصاله إلى المستشفى، وهناك مكث ساعات طويلة في عمليات جراحية متواصلة علها تكون سبيلا لإنقاذ ساقه.
الرصاصات الثلاث التي اخترقت هذه الساق كانت من النوع المتفجر المحرم دوليا؛ ورغم محاولات الأطباء المستميتة إلا أن الرصاصات مزقت شرايينها وهتكت عظمها وأثرت حتى على حركة ساقه اليسرى.
ومنذ ذلك اليوم بقي أحمد نزيل المستشفيات يتلقى العلاج باستمرار؛ ويواجه صعوبات جمة في تدبر أموره ويضطر للمكوث في المراكز الطبية بعيدا عن عائلته؛ وحين يعود إلى منزله يقضي كل وقته متألما لا تفلح المسكنات في تخفيف أوجاعه.
ولكن هذا الأمر لم يمكث طويلا حتى ازداد صعوبة؛ ففي ٢/١/٢٠١٣ داهم عشرات الجنود منزل طوافشة، وظنت العائلة أن الاقتحام لمجرد تفتيش المنزل وترويع ساكنيه، ولكن الجنود فاجأوهم بنيتهم اعتقال أحمد المصاب الذي لا يقوى على الحراك.
حاولت العائلة منع اعتقال أحمد لكن دون جدوى؛ وحين حاولت والدته حمايته من الاعتقال وهي تبكي على حاله ضربها الجنود ولم يرحموا مصابا ولا امرأة؛ كما اعتدوا على والده وسحبوا الجريح من بينهم وقاموا بدفعه والصراخ عليه دون أدنى رحمة أو شفقة.
ومنذ تلك الليلة بدأت معاناة جديدة للفتى عنوانها الإهمال الطبي؛ وخضع للتحقيق القاسي رغم إصابته، وبقيت عائلته تنتظر الإفراج عنه وهي مكلومة موجوعة على حاله.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل منع الاحتلال زيارة عائلته له أو حتى إدخال الملابس والأحذية له؛ وتذرع الاحتلال بأن أحمد أسير سابق اعتقل لمدة ستة أشهر قبل إصابته.
مكث أحمد في الاعتقال خمس سنوات؛ وخلالها عانى من صنوف العذاب والإهمال الطبي، وبعد تحرره بعامين أعاد الاحتلال اعتقاله وحوله للاعتقال الإداري لمدة عام كامل، ثم تمكن محاميه من الحصول على قرار جوهري للإفراج عنه.
الاعتقالات بحق أحمد زادت إصابته خطورة؛ حيث أصبح العجز في ساقه اليمنى بنسبة ١٠٠٪ وفي ساقه اليسرى بنسبة ٤٠٪، وكل ذلك لم يلق آذانا صاغية من الاحتلال أو المؤسسات الدولية بضرورة علاجه.
اليوم يتحرر أحمد وهو ابن ٣٠ عاما؛ ويجر خلفه معاناة كاملة من الاعتقال والإصابة والبعد عن الأهل؛ فمن يعوضه عن حقه الذي ضاع؟ ومن يعيد له ساقه التي شلها الاحتلال وزاد من أوجاعها بإهماله الطبي؟!