تنتشر صوره في كل مكان؛ على جدران المخيم؛ في الساحات؛ في صدر منزله وعلى أبواب خزانة الملابس، كل شيء في البيت ينادي باسمه فلا يمكن أن يغيب عن الذهن حتى لدقائق.
تطوي عائلته العام بعد العام وهي تحلم بالحرية؛ وفي كل عام تمر عليها ذكرى يوم الأسير الفلسطيني فتضمه لبقية الأيام التي لا يتناقص فيها مطلبها بالحرية.. تلك حال عائلة الأسير الشيخ جمال أبو الهيجا (61 عاما) أحد قادة معركة مخيم جنين، والذي اعتقل عام 2002 بعد إصابته وبتر يده؛ وحكم عليه بالسجن المؤبد 9 مرات و20 عاما.
تقول ابنته بنان لـ مكتب إعلام الأسرى إن قضية الأسرى لاتتوقف على يوم واحد فهي ألم ومعاناة في كل ثانية تمضي من عمر الأسير وعائلته.
مرت العائلة بظروف قاهرة منذ أسر الوالد؛ ففي عام 2014 استشهد نجله حمزة في أزقة مخيم جنين بعد مطاردة طويلة من قبل الاحتلال، كما هدم منزل العائلة واعتقل أبناء الأسير لفترات متباينة، وبين الحين والآخر كان يتم اقتحام المنزل وتفتيشه والتضييق على كل فرد من العائلة، ثم أضيف لكل ذلك مرض الوالدة الصابرة التي حملت هم زوجها وفقدت فلذة كبدها في سبيل حرية الوطن.
وترى بنان أن الأسر سرق من الأسير وأهله العمر كله وزهرة شبابهم وفرحهم؛ وحتى في أوقات حزنهم منعهم أن يكونوا معا؛ أو أن يلقوا نظرة الوداع على أحبتهم الذين توفاهم الله.
وتضيف:" أملنا في الله كبير فالفرج من عنده جل وعلا، ونسأل الله تعالى أن يعجب بالفرج عن أسيراتنا وأسرانا ونتمنى على مقاومتنا أن تبقى قضية أسرانا نصب أعينهم".
آلاف العائلات تمر بهذا القهر؛ فسنوات الاعتقال أكلت من عمرها وفرحها وأيامها الكثير؛ ولم يبق سوى الأمل بالله ثم بالمقاومة التي تعد ولا تُخلف الوعد.
أما عن عائلات الأسرى في يوم الأسير فتؤكد بنان أنه يوجد تقصير كبير في قضية المعتقلين؛ سواء في الجانب الرسمي أو الشعبي، معتبرة أن الفعاليات والوقفات التضامنية هي شيء معنوي للأسرى وأهاليهم.
وأبرقت أبو الهيجا رسالة للأسرى في ختام حديثها قالت فيها:" رسالة لأسرانا أنكم حاضرون ولم ولن ننساكم فأنتم جرحنا النازف، وهي أيضا رسالة من أهالي الأسرى لأنفسهم أننا على العهد باقون فهو أضعف الإيمان في نصرة الأسرى فهي لن تساعد عن الإفراج عنهم والذي يفرج عنهم هو طريق المقاومة".
الشعارات لا تكفي
أكثر من 4450 أسيرا يعيشون المعاناة في سجون المحتل المختلفة؛ بينهم 140 طفلا و37 أسيرة و440 أسيرا إداريا، وأكثر من 700 أسير مريض تهاجمهم الآلام وجرعات الإهمال الطبي، كل منهم له حكاية جرح لم يندمل.
ومن بين الأسرى 541 أسيرا محكومون بالسجن المؤبد، ومنهم 26 أسيرا اعتقلوا قبل عام 1993 وما زالوا ينتظرون الفرج منذ سنوات طويلة، وفي يوم الأسير الفلسطيني تبرز حكايات القهر من سجون الاحتلال.
وزير الأسرى السابق المهندس وصفي قبها قال لـ مكتب إعلام الأسرى إنه خلال فعاليات يوم الأسير الفلسطيني لا يفتأ الفلسطينيون صدحا بأهمية قضية الأســرى؛ وقد يذهبون للتباري في إظهار اشكال وصور التضامن والتعاطف مع الأســرى، ونسج قوالب وهياكل رائعة من الكلمــات والمضامين والعبارات الجميلة التــي تُضفي على الفعاليات والأنشطة نوعا من الاكسسوارات والمكياجات وتُجملها بطريقة أو بأخرى وكأنها بضاعة يتم إعدادها كونها تصلح للعرض والتصدير.
وأوضح أنه لا يقلل ولا بأي حال من أهمية البعد الإعلامي لتفعيل قضية الأسرى، ولكن استمرار لوك الكلمات والتعامل مع القضية على أساس شعاراتي ظرفي محض ومنذ اعتماد هذا اليوم عام 1974 وحتى الآن شــيء؛ والعمل الإعلامي الذي ينتظم في إطار خطة شــاملة ذات أبعاد سياسية وإعلامية وجماهيرية وقانونية شيء آخر تماما.
وأكد أن الأسرى قد شبعوا كلمات ووعودات، وقد سئموا وملوا الشعارات وعلى جمال بريقها ووهجها، كما وأتخموا مدحا وإطراء، ولم يعد يعني نائل البرغوثي وكريم يونس وماهر يونس بعد أربعة عقود من الأسر ســوى بارقة الأمل التي تحملهم إلى فضــاء الحرية وفجر الخلاص، وما سوى ذلك فقد أضحت لديهم كل الفعاليات وعلى أهميتها ترفا زائدا لا يقدم ولا يؤخر في ميزان بنائهم المعنوي وشعورهم الوجداني.
واعتبر قبها أن العمل والفعاليات الموسمية والنشاطات في المناسبات المستجدة لن تصب باتجاه تحقيق الهدف الرئيس في تحقيق حرية الأسرى التي ما زالت تُراوحُ مكانها لسنوات عديدة منذ إنجاز صفقة وفاء الأحرار.
وأشار إلى أن أي جهد تضامني مبذول يجب أن يتمخض عنه إنجاز حقيقي وأن الشعارات المرفوعة يجب أن تؤتي أكلها وتنبت نبتا مثمرا يسهم في تغيير واقع المعاناة الذي يغرق فيه الأسرى يوما بعد يوم، مبينا أن الجهد المبعثر والمّشــتت لا يُمكن أن يفيء إلى خطة واضحة تقفز بالأسرى نحو الواقــع المأمول.
وأضاف:" كل ما تقدم لا يعني أنه لا يحقق إنجــازات معينــة، إلا أنها تبقــى إنجازات ظرفية مؤقتــة قاصرة عن القدرة على مراكمة الجهد والإنجاز، وهي ســرعان ما تزول آثارها مع سيرورة الأحداث والمستجدات وما أكثرها، وأحوج ما نحتاجه اليوم إلــى إرادة نفســية ومعنوية كبرى كقاعــدة ارتكاز لمعالجات شمولية ينبثق عنها عمل دائم في مختلف المجالات، وتشارك ُ فيه مختلف الشرائح والقطاعات الشعبية والوطنية، وتُفرد له ميزانية معتبرة تليق بمستوى قضية الأسرى والتحديات المفروضة ومحاولات الاحتلال تجريم النضال الفلسطيني".
ورأى أنه لا يمكن أن يتم تحقيق أي تقدم ونجاح في أية معالجــة ما دام الجهد منغلقا على الإطار المحلي، وما دامت المعالجات تركن إلى العمل التقليدي البحــت والروتيني الصرف الذي بات مألوفا ويقتصر على الفعاليات الموسمية بغض النظر عن حجم هذه الفعاليات وسعة انتشارها.
وأكد أن الفلسطينيين اليوم بأمس الحاجة إلى خطة شاملة متكاملة لا تستثني البعد الإقليمــي والدولي من دائرة النشاطات والفعاليات، بعيدا عن النداءات اللفظية والدعوات الشــعاراتية، حيث لا يُعقل أن يحدث ما يحدث بحق الأسرى دون أن تتشكل وفود متخصصة لخوض جولات خارجية لشــرح أبعاد القضية وفضح الكيان الصهيوني، إقليميا ودوليا بلغة الوثائــق والأرقام، ومشاهد الإجرام والانتهاكات اليومية التي يمكن توثيقها بسهولة، حتى نستطيع أن نتقدم بدعـاوى قانونية مختلفة ضد قادة الاحتلال لدى المحاكم ومؤسسات العدالة الدولية.