لا يختلف رأيان على أن ما قامت به بعض البنوك الفلسطينية من إغلاق لحسابات بعض الأسرى والمحررين يستهدف نضالاتهم وسنوات عمرهم التي غيبتها سجون الاحتلال، ناهيك عن عدم قانونية هذه الخطوة وتماهيها مع حرب الاحتلال عليهم.
ويرى محررون وحقوقيون بأن هذه القضية تفتح بابا جديدا لتغول يد الاحتلال في ملفات الأسرى والمحررين الذين يستهدفهم بوسائل عدة وطرق خبيثة بهدف كسر إرادتهم لما يعلمه من حضورهم القوي وإجماع الفلسطينيين على دورهم الريادي في المجتمع.
ويقول الأسير المحرر سامر بني عودة من بلدة طمون قرب طوباس لـ مكتب إعلام الأسرى إنه قبل أيام تلقى رسالة نصية على هاتفه المحمول من بنك القاهرة عمان يبلغه فيها بإيقاف خدمة الصراف الآلي بشكل مفاجئ؛ فتوجه إلى مدينة نابلس حيث الفرع الذي يملك حسابا لديه للاستفسار عن الأمر.
ويوضح بأن أحد الموظفين في الفرع أبلغه بأن حسابه أغلق أسوة بعدد من الأسرى والمحررين؛ وطلب منه سحب كل المبلغ في الحساب لأنه سيتم تصفيره قبل إغلاقه وهذا ما حدث فعلا.
ويشير بني عودة إلى أن مدير الفرع اجتمع مع عدد من المحررين وقال إنه يأسف لإغلاق الحسابات ولكن هذه الخطوة جاءت بعد أمر صادر عن محكمة صهيونية بضرورة إغلاق الحسابات وإلا ستتعرض البنوك نفسها للإغلاق، وأن الخطوة تأتي حتى لا تتعرض الحسابات للقرصنة.
ويبين بأن ما حدث كان صادما لمن تم إغلاق حساباتهم؛ حيث كان عميلا للبنك منذ عشر سنوات وفي النهاية يتم إغلاق الحساب بكل بساطة.
وبعد هذه المفاجأة الغريبة توجه بني عودة وعدد من الأسرى المحررين إلى جهات حقوقية عدة من أجل وقف هذه الخطوة التعسفية، حيث كان هناك اجتماع يوم الخميس الماضي مع ممثلين عن وزارة المالية ومع هيئة شؤون الأسرى لكنه لم يفض لأي شيء.
ويضيف:" أنا كعميل للبنك لا أشعر بالأمان بعد أن قام بإغلاق حسابي بهذه الطريقة المرفوضة لأننا نقول إننا دولة فأين وزارة المالية وأين الحكومة وأين سلطة النقد".
وبعد بنك القاهرة عمان قام بنكان آخران بإغلاق حسابات بعض الأسرى والمحررين والذين وصل عددهم إلى مئات دون القدرة على إحصائها من الجهات المختصة حتى اللحظة.
ويؤكد بني عودة بأنه أمضى في سجون الاحتلال 16عاما وهو متزوج وأب لأربعة أطفال مصيرهم أصبح مجهولا الآن في ظل هذه القرصنة، حيث لا يعلم ما الذي يمكن أن يصبح عليه الحال إذا استمر إغلاق الحسابات خاصة وأن الكثير من المحررين لا يملكون وظائف.
ويتابع:" كنا طالبنا الحكومة بأن توفر لنا وظائف كأسرى محررين فأنا على سبيل المثال أحمل شهادة الدكتوراة ليستفيدوا منا وليوظفونا في أي مقعد؛ وإن كان الوضع السياسي حساسا فهناك وزارات لا تتدخل بالأمن والسياسة كوزارة الرياضة وغيرها".
ويبين بني عودة بأن خطوات عدة يسعى المحررون لتنفيذها مثل الاعتصام والاحتجاج أمام البنوك والتوجه لعدة جهات حقوقية وقانونية للدفاع عنهم؛ وكذلك أبدى محامون استعدادهم للترافع مجانا عن الأسرى لاستعادة حساباتهم.
ويؤكد على أن دور الرئيسي يجب أن يكون للسلطة والحكومة في الدفاع عن الأسرى والمحررين الذين بات مستقبلهم مجهولا بعد هذه القرصنة على حساباتهم.
مخالفة قانونية
بدوره يقول المحامي المختص في الشأن الاقتصادي حسام الديك لـ مكتب إعلام الأسرى إنه من الناحية القانونية لا يحق لأي بنك إغلاق حساب أي عميل لديه إلا في حال خلو الحساب من المال لمدة ستة أشهر.
ويبين بأن ما حصل مع الأسرى والمحررين هو أن البنك طلب منهم تصفير حساباتهم كي يتمكن من إغلاقها وهي خطوة غير قانونية لأن القانون يتيح للبنك إغلاق الحساب بعد ستة أشهر من خلوه من المال، وهذا يسمى إغلاقا إجباريا لحساباتهم.
ويفيد بأن البنك قام بالاتصال على الأسرى والمحررين وأبلغهم بأن يصفروا الحسابات وهذا ما أثار الخوف لدى العائلات وبالتالي أجبرت على التوقيع على إغلاق الحساب كي لا تضيع أموالها؛ ولكن قانونيا لا يستطيع البنك التصرف في هذه الأموال أو نقلها لجهة أخرى لأن هذه مخالفة قانونية وهي التصرف بالودائع.
ويشير الديك إلى أنه ومجموعة من المحامين قرروا الترافع مجانا عن عائلات الأسرى من أجل حماية حساباتهم من الإغلاق، ولكنه دعاها إلى عدم التوقيع على إغلاق الحسابات أو سحب الأموال منها كي يتمكن المحامون من رفض الإغلاق.
ويؤكد أن لجنة قانونية تشكلت للنظر في الموضوع والتي قد يصدر عنها البدء في تحويل الأموال لعائلات الأسرى عن طريق البريد، ولكن كل شيء وارد.
طعنة في الظهر
أما وزير شؤون الأسرى الأسبق المهندس وصفي قبها فيرى بأن ما حدث يمثل طعنة في ظهر المقاومة والتفافا على نضالات الأسرى وسنوات عمرهم التي أمضوها في السجون.
ويقول لـ مكتب إعلام الأسرى إن الأمر رضوخ لأوامر الاحتلال العسكرية حين يتساوق القرار مع قرارات الاحتلال في تجريم النضال الفلسطيني والأسرى أنفسهم والذين يعتبرهم إرهابيين، وهذا له بعد معنوي ووطني.
ويؤكد بأن القطاع المصرفي لا يمكن أن يتخلى عن دوره في إسناد الأسرى وعائلاتهم؛ ولكن ما حدث هو أن قرار الاحتلال صدر في التاسع من شباط/ فبراير الماضي فلماذا الانتظار حتى شهر أيار/ مايو من أجل التحرك؟!
ويبين بأن الأصل أن تكون هناك خطوات عديدة اتخذت منذ أشهر من أجل الخروج بخطة واضحة للتصدي لهذا القرار؛ ولكن ما حدث يبعث على الأسى والحزن بأن الأمر غير وارد لدى المؤسسات الفلسطينية إلا بعد فوات الأوان.
ويضيف:" الالتفات لقضايا الأسرى متأخرا شيء خطير وما قالته الحكومة حول تجميد القرارات هو مجرد مخدر وسيتم إغلاق حسابات الأسرى وسيتم التحويل لاستلام الرواتب عبر البريد الذي سيلاحقه الاحتلال أيضا، وكذلك لا يستطيع الأسير التعامل معه لأنه يجب أن يكون حاضرا بشخصه لاستلام الراتب ولا يمكنه بالوكالة، كما أن الاحتلال اقتطع من مقاصة الشعب المبلغ الذي يساوي قيمة ما يعطى للشهداء والأسرى والجرحى فأين الجهات الرسمية؟ ولماذا الحراك متأخرا؟ فهذا يدل على عدم اهتمام بقضايا الأسرى وما يمسهم من حلقات التآمر على الشعب الفلسطيني وتصفية القضية بتجريم النضال الفلسطيني ضمن سياسات كاملة مثل ضم الأغوار والتهويد والاستيطان وغيرها".