في فترة وجيزة فاقت كل التحليلات والتوقعات، استجابت مصلحة السجون لمطالب الأسرى بعد ثمانية أيام من إضرابهم المفتوح عن الطعام، وانتهى إضراب الكرامة 2، وتكررت كلمة الحمد لله على ألسنة عائلات الأسرى وسجود الشكر ودموع الفرح، فعائلات الأسرى لم تسعها الفرحة وهي أكثر الناس معرفة بتفاصيل الإضراب عن الطعام، حيث يكون أبنائهم في مربع الخطر والشهادة في أية لحظة، ويكون كامل أفراد العائلة في حالة طوارئ وانعدام الاستقرار النفسي والحياتي، مكتب إعلام الأسرى رصد فرحة الأهالي بخبر انتصار الأسرى.
المحرر براء حماد، من سكان قلقيلية، تحرر قبل يومين بعد قضاء ثلاث سنوات في الأسر، وتعرض قبل الإفراج عنه بشهر للقمع من سجن النقب إلى سجن مجدو، يقول" تفاجئت من اهتمام الناس بقضية إضراب الأسرى، فكل من جاء مهنئاً بالإفراج عني كان سؤاله الأول عن وضع الأسرى في الإضراب ومعنوياتهم وإجراءات مصلحة السجون بحق الأسرى المضربين، ولمست رغبتهم بمعرفة تفاصيل دقيقة عن هذا الإضراب".
يضيف حماد" الذي أثار دهشتي أيضاً أن السائلين عن الإضراب ليسوا من المحررين، بل من كبار السن وشباب صغار لم يخوضوا تجربة الإضراب، وهذا مؤشر إيجابي بأن تكون قضية الأسرى رأي عام للكل الفلسطيني، فصدى الإضراب عن الطعام كان في وجدان المواطنين، وليس مقصوراً على عائلات الأسرى التي من الطبيعي أن تهتم بإضراب أبنائها".
المسن المربي الحاج محمود عفانة (80عاماً)، والد الأسيرين القيادي محمد سامح عفانة وميسرة عفانة، من قلقيلية، يقول في حديثٍ معه وعلامات الإرهاق بادية على محياه" منذ إعلان الإضراب وأنا في حالة توتر وتفكير مستمر، فأنا لي قصة مع السجون منذ أكثر من ثلاثة عقود ومرت أيام جميع أولادي في الأسر، وفي الإضراب الأخير وهو إضراب الكرامة رقم 2 يقبع في سجن مجدو أبنائي محمد وميسرة ينتظران الحكم عليهما بعد توجيه لائحة اتهام ضدهما، ومع انتهاء الإضراب بسلام شعرت براحة لا توصف فالإضراب عن الطعام وصفة للخوف والقلق والترقب وانتظار الأسوأ، وهذه المعركة خطيرة على الأسرى خاصة بعد تهديدات ضباط مصلحة السجون بقمع الأسرى بوحشية غير مسبوقة".
يضيف المسن عفانة" بعد سماع الاتفاق بين الأسرى ومصلحة السجون في طرفة عين تغيرت كل المشاعر وانقلبت رأساً على عقب، وغادرت مشاعر الحزن والقلق القلب والنفس، لتحل محلها مشاعر الفرح والسعادة".
والدة الأسير عثمان يونس من قرية سنيريا جنوب قلقيلية المحكوم أربع مؤبدات ودخل عامه الاعتقالي السابع عشر في الأسر، الحاجة صبحية يونس قالت" في إضراب الكرامة رقم واحد أضربت عن الطعام لمدة عشرة أيام وبعد تدهور صحتي أجبرني الأطباء على إنهاء الإضراب عن الطعام، في هذا الإضراب عشت لحظات عصيبة وأنا أراقب إضراب الأسرى، ورغم ضعف صحتي إلا أنني لم أسقط خيار التضامن معهم بمشاركتهم الإضراب عن الطعام، فلا قيمة للحياة والأبناء في حالة إضراب عن الطعام".
تضيف الحاجة صبحية يونس" الآن تحسنت صحتي ونفسيتي بعد سماعنا عن اتفاق قد جرى بين الأسرى ومصلحة السجون، وهذا الأمر قد خفف علينا وعليهم تبعات معركة صعبة فيها أخطار لا تحمد عقباها".
إضراب الكرامة رقم 2 تمت متابعته بشكل مكثف من قبل وسائل الإعلام الذي كان لها الأثر الطيب في إسناد الأسرى في معركتهم، الإعلامي د. أمين أبو وردة والذي خاض تجربة الأسر وألف داخل الأسر كتاباتٍ عن تفاصيل الحياة الاعتقالية، قال" الإسناد الإعلامي لقضايا الأسرى له قيمة وفائدة عظيمة، فرسالة الأسرى تبقى منقوصة إذا لم تشتغل عليها الماكنة الإعلامية التي تسلط الضوء على تفاصيل ما يجري داخل السجون وأعداد المضربين، وما هي السجون التي دخلت في المواجهة، وكم عدد الأسرى الذي سيلتحق بعملية الإضراب عن الطعام".
يتابع أبو وردة حديثه" إعلام الاحتلال كان يتابع إضراب الأسرى وكأنه شأن داخلي عندهم، ونحن كفلسطينيين الأولى بهذه التغطية كونها قضية مركزية وفي مقدمة القضايا الملحة، وخلال لقاء أمهات الأسرى والنشطاء في الوقفات التضامنية، كانت المشاعر لا توصف من خلال لغة الجسد لكل عائلة أسير".
المحررة إيمان نافع، زوجة أقدم أسير فلسطيني، وهو نائل البرغوثي من قرية كوبر قالت" كنا نعيش لحظات صعبة فعائلة البرغوثي قدمت الأسرى والشهداء، وهناك زوجي الأسير نائل الذي دخل عامه ال39 في الأسر وغيره من قدامى الأسرى، ولحظة الانتصار في معركة الإضراب لا تقل عن لحظة الإفراج، وأنا عشت الأسر لمدة تسع سنوات، وأعلم تفاصيل الإضراب عن الطعام، وكيف تكون حياة الأسرى بعد تقدمهم الزمني في الإضراب".