عادة ما يحمل كانون معه رائحة المقاومة، ففيه تختلط حبات المطر بدماء الشهداء ويكبر في أفئدة الغيورين حب الوطن معطرا بأنفاسهم المقاوِمة مهما صغرت أعمارهم.
وفي سجل المجد الكثير الكثير من البطولات، وخلف زنازين الأسر تنبع القصص التي تحكي فعالهم وتتنسم عطر أسمائهم وهوياتهم.
كان الفتى عبادة عزيز أبو راس (17 عاما) واحدا ممن اختارتهم الأرض للدفاع عنها، فهو يعيش في بلدة بير نبالا شمال القدس والتي أثخنها المحتل جراحا حين أقام على أراضيها الجدار العنصري وأبعدها عن مدينتها الأم وحرم أبناءها الوصول إلى أقصاهم، تربى على رؤية هذا الذل فما كان منه إلا أن يصرخ بعمله الفدائي.
ويقول والده أبو أسامة لـ مكتب إعلام الأسرى إن نجله عبادة كان هادئ الطباع وخلوقاً ويتسم بالحنيّة، وكان أنهى الصف العاشر ثم أتقن العمل كفني للكهرباء وكان ملتزما بعمله والعودة إلى منزله دون أن يتوقع أحد أن يحمل نية تنفيذ أي عمليات فدائية.
في السابع والعشرين من كانون الثاني لعام 2016 تمكن عبادة من الدخول إلى مستوطنة "جفعات زئيف" التي تنهش حلم الفلسطينيين وتلتهم أراضيهم، وهناك نفذ عملية طعن فدائية أسفرت عن إصابة مستوطنيْن اثنين جروح أحدهما وصفت بالخطيرة.
ويوضح والده بأنه وفور تنفيذه العملية حاول الانسحاب من المستوطنة إلا أن مجموعة من المستوطنين انهالت عليه بالضرب بالعصيّ والهراوات على رأسه بهدف القتل؛ ولكن الله أراد له الحياة فأصيب وقتها بجروح طفيفة وتم اعتقاله.
ومنذ ذلك الحين بدأ مسلسل العائلة مع الأسر البغيض، فابنها الفتى الهادئ الوادع يواجه حكما عالياً وتملأ صوره شوارع بلدته تحت اسم الفتى الفدائي ليمتزج الفخر مع القلق على مصيره.
ويضيف أبو أسامة:" كنا نتابع الأخبار كالعادة في مساء ذلك اليوم وسمعنا عن خبر العملية ثم توالت الصور من المكان لمنفذها وعلمنا تماما أنه عبادة فنحن نحفظ ملامحه، وبعد وقت قصير اقتحمت قوات الاحتلال منزلنا لتبلغنا رسميا أن عبادة هو منفذ العملية وأنه أصيب بجروح فتملّكنا القلق على حالته، مكث عبادة ليلة في مستشفى هداسا مكبلاً بالسرير وفي اليوم التالي تم نقله إلى سجن عوفر".
الحكم والأمنيات
قبل أسبوع واحد أصدرت محكمة الاحتلال حكمها على الأسير عبادة الذي بات شابا الآن يبلغ من العمر 19 عاما بالسجن لمدة 20 عاما أي ما يفوق سنين عمره؛ وغرامة مالية بقيمة 20 ألف شيكل وتعويض للمستوطنين المصابين بقيمة 100 ألف شيكل.
وتعيش عائلة الأسير كما آلاف عائلات الأسرى معاناة الاعتقال والعقوبات؛ فهي منذ خمسة أشهر لم تزر ابنها تحت ذريعة المنع الأمني وتتعرض لهذه العقوبة بين الحين والآخر.
ويرى أبو أسامة بأن الحكم على نجله كان صادما على أفراد العائلة كلها؛ مبينا بأنها تحاول تقديم استئناف ضد الحكم عن طريق المحامين.
ويتابع القول:" المنزل بات موحشا جدا دون وجود عبادة واعتقاله أثر علينا وعلى نفسية كل فرد في البيت وجو الأسرة وحياتنا بشكل كبير، بينما عشنا حالة قلق رهيبة حين تم قمع الأسرى في سجن عوفر لأن ابننا يقبع هناك وكنا نواصل الليل بالنهار في متابعة الأخبار".
وكما غيرها أيضا من العائلات تعيش عائلة الأسير عبادة على أمل تحرر ابنها في صفقة مشرفة للمقاومة أمام حكم خيالي كهذا يفرق بينهم ويقطع شملهم.