على سريره الصغير استعد للنوم الذي فارقه طويلاً، وكما في كل ليلة استذكر أصدقاء له لا ينامون إلا في عتمة الأسر وظلام الزنزانة وصوت السجانين الصارخ وطعامٍ بلا طعمٍ ولا رائحة .
منذ الإفراج عن أمير لا تفارق ذاكرته صورة السجن البغيض وما فيه من كمية حقد وظلم؛ ولكنه الآن يحاول استعادة حياته بين عائلته والتغلب على ما خلفه السجن من أمراض وآلام وأوجاع لا تنتهي، ولكن تلك الليلة حملت للفتى أمير طقاطقة ما لم يتوقعه.
عشرات الجنود حاصروا منزله في بلدة بيت فجار جنوب مدينة بيت لحم فجر الأربعاء الماضي؛ كان يظنها واحدة من مداهمات التفتيش مستبعدا أي عملية اعتقال له خاصة أنه أجرى عملية جراحية في ساقه قبل ساعات، ولكن الأصفاد كانت بانتظاره هذه المرة كذلك.
ويقول والده لـ مكتب إعلام الأسرى إن جنود الاحتلال اقتحموا المنزل بهمجية وقاموا بتفتيشه بطريقة وحشية تُرجمت عبر تحطيم الأثاث والمحتويات وخلط المواد الغذائية وسكبها على الأرض، كما قاموا بتفتيش المنازل المجاورة وترويع أهلها ثم أخذوا أمير للتحقيق الميداني رغم حالته الصحية.
ويضيف:" شرحت لهم حالته وأبلغتهم بأنه مريض ولكن لم يكترثوا لذلك وحققوا معه ميدانيا في العراء في البرد القارص؛ ثم أبلغونا أنه معتقل فلم أكد أصدق فلحقت بهم وأخبرتهم مجددا أنه عاد قبل ساعات فقط من المستشفى ولكنهم تجاهلوا الأمر واعتقلوه".
القلق الذي شعر به والدا أمير لم يحتملاه؛ فهو فتى في السادسة عشرة من عمره يعاني من أمراض عدة ويتهمه الاحتلال بتصنيع قنابل محلية مع مجموعة فتية آخرين.
ويشير الوالد إلى أن نجله كان اعتقل قبل عام تقريبا لمدة ثلاثة أشهر سببت له فيها جولات التحقيق مرض الربو والألم في الصدر ومرض الدوالي في الساقين، وبعد اعتقاله لثلاثة أشهر تم الإفراج عنه ومنذ ذلك الحين وهو يخضع للعلاج المستمر وتناول الأدوية، لدرجة أن ذلك أعاقه عن الاستمرار في مدرسته.
العائلة القلقة على مصير نجلها توجهت لمختلف المؤسسات بينها الصليب الأحمر الدولي وحقوق الإنسان وحقوق الطفل إلى أن تمكنت من الضغط على الاحتلال للإفراج عنه بسبب وضعه الصحي المتدهور، ولكن الإفراج لا يعني انتهاء القضية حيث حدد الاحتلال موعد محاكمة له في أيار القادم.
اعتقالات بالجملة
حكاية أمير تكاد تنطبق على عشرات الفتية في بلدة بيت فجار؛ فالاحتلال بعد أن حاصرها بالمستوطنات وضيق الخناق على أهاليها يقوم بمهاجمتهم يوميا عبر المداهمات والاعتقالات.
ويقول مدير بلدية بيت فجار علي ثوابتة لـ مكتب إعلام الأسرى إن البلدة تتعرض لهجمة عنيفة من قبل قوات الاحتلال خاصة بحق الفتية والأطفال لدرجة أنه وصل عدد المعتقلين خلال أسبوع واحد إلى سبعة فتية أحدهم مريض بالكلى وآخر أجرى عملية جراحية قبل اعتقاله بساعات.
ويشير ثوابتة إلى أن الاعتقالات عادة ما تكون وحشية ويتعمد الجنود ترهيب الأطفال خلال عمليات اقتحام المنازل، كما يتم التحقيق الميداني مع معظمهم قبل الاعتقال في أجواء باردة للغاية دون مراعاة أي ظروف إنسانية.
ويضيف:" الاحتلال يتذرع برشق الحجارة من قبل الفتية المعتقلين رغم أن الشارع الذي يمر منه المستوطنون يبعد عن البلدة أكثر من ثلاثة كيلومترات، كما أن الجنود ينصبون الحواجز المفاجئة على مداخل البلدة ويعتقلون عليها الشبان والفتية أو يحتجزونهم لساعات وينكلون بهم ما يؤثر على طلبة الجامعات وعلى تصدير الحجارة من داخل البلد التي هي مصدر دخلها الرئيسي".
ويعيش في بيت فجار 15 ألف مواطن فلسطيني يتجرعون ظلم جنود الاحتلال كل ليلة تقريبا.. لتزيد من رصيد الأسرى في السجون الصهيونية كواحدة من البلدات التي لا تعرف النوم !