ليس غريباً أن يعيش العالم جهلاً لا مبرراً عن ما يعانيه الشعب الفلسطيني، وأن يعزل نفسه بعيداً عن قضاياه باسم حقوق الإنسان والطفل التي ستقف في وجه أي اعتداء ضد أي طفلٍ في هذا العالم، فمشهد السائح الأمريكي هال بورتيون وهو يطالع إحدى الصحف وينظر لتقريرٍ إحصائي حول عدد الأسرى في سجون الاحتلال يشهد بأن فلسطين تعيش بمعزلٍ كبير عن العالم، حين قال: لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً، أين حقوق الطفل والمؤسسات العالمية من هذا الأمر.
قرابة 280 طفلاً موزعون ما بين سجني عوفر ومجدو ومراكز التحقيق والتوقيف، ولم يحرك أحدٌ ساكناً بذريعة أن أطفال فلسطين مختلفون، يكبرون قبل أوانهم، فلم تقم قائمة لمنظمات حقوق الطفل وحقوق الإنسان، ولم تتخذ تدابير باسم الأعداد المتزايدة للأسرى الأطفال، ولا شهدت تقارير المراكز التي تعنى بشؤون الأسرى حول الانتهاكات التي تمارس بحق الطفولة الفلسطينية أثناء الاعتقال وخلال التحقيق اهتماماً، حتى أن فرض الأحكام اللامنطقية والغرامات الباهظة التي يتم توثيقها إعلامياً لم تحرك شعرة في ضمير أحد.
قصصٌ لا خيالية
العدد 280 ليس عدداً خيالياً، أطفالٌ كان يجب أن يحصلوا على كامل حقوقهم، لا أن يشعروا أن عليهم أيضاً واجب الدفاع عن وطنهم بأعمارهم وعلمهم وألعابهم، فمن سيُنسي مثلاً الطفل شادي أنور فراح (14عاماً) تفاصيل الثلاث سنوات التي قضاها في مراكز خاصة في القدس، انقطاعه عن حقه الطبيعي في التعليم، هوايته في ركوب الخيل، حلمه بأن يصبح مهندساً والذي ربما غيرته له سنوات الأسر.
شادي فراح، أصغر طفلٍ في سجون الاحتلال، على موعدٍ مع نيله الحرية نهاية هذا الشهر، لهفة أمه وفرحها لا يمكن أن تصفها الكلمات، استعداداتها لاستقباله وسعادة قلبها، ولاحقاً بذلها الجهد الكبير من أجل أن ينسى شادي هذه السنوات، المحاكم وتكبيل يديه وعمر ال12 الذي أصبح فيه قصة وطن، كانت أمه الجندي المجهول الذي وقف في معركته تماماً كقصة 280 أم يقفن وحدهن في وجه قرارات السجون.
مشهد أم مجاهد أبو عليا الذي يمكن تخيله إن استمعت لوصفها عن لحظة اعتقال نجلها الذي لا زال موقوفاً، معتصم أبو عليا(18عاماً) من سكان قرية المغير، قضاء مدينة رام الله، يجلب شهادات المئات من الأطفال حول أساليب الاعتقال الوحشية ولاحقاً التحقيق اللإنساني، فقد تعرض أبو عليا قبل اعتقاله، وعلى مرأى من عائلته التي نالها ما نالها من الضرب أيضاً، للضرب المبرح، ولم يكن الاعتقال على يد جنود اعتيادين، وبدا لوالدته التي وصفت ملابسهم أنهم وحدات خاصة وأكدت أساليب اعتقالهم وضربهم على كلام أمه علاوةً على خلع أبواب المنزل لحظة الاقتحام بعد منتصف الليل.
هذه القصص الوحشية من سنوات العمر الضائعة وأساليب التنكيل ترافق أصحابها حتى بعد حريتهم وليس أدلَّ على ذلك من قصة الطفل أسامة زيدات(16عاماً) من سكان بلدة بني نعيم، قضاء مدينة الخليل، فأسامة نال حريته بعد اعتقاله بتاريخ 23/9/2016، بعد قضاء 4 أشهر في الأسر.
أربعة أشهر فقط، كانت كفيلة لتجعل عائلة زيدات تلاحق حتى اليوم كافة الوسائل من أجل علاج نجلها، فقد تعرض لحظة اعتقاله إلى إطلاق رصاص حي على قدميه من مسافة صفر، وأمضى مدة اعتقاله في أحد أقسى أماكن الاعتقال بالنسبة للأسرى في ما يصطلحون على تسميته بمسلخ سجن الرملة، ولا تزال أيضاً والدته الجندي المجهول وراء حريته وعلاجه حتى هذا اليوم.
في ذات المكان الذي قضى فيه زيدات أربعة أشهرٍ مجحفة لا تتناسب مع سنه ولا إدراكه لقضية بلاده، يقضي اليوم الطفل الجريح عز الدين كراجة(17عاماً) مدة توقيفه، على أن وجوده في عيادة الرملة يضمن له العلاج في حين تؤكد كافة التقارير أن أوضاع الأسرى المرضى في سجن الرملة تزداد سوءاً كل يوم، وربما قيل لعائلته مثل ما قيل لأم أسيرٍ مقدسي لقد أصبح رجلاً في حين تود العائلة أن تستعيده كما هو، وأن لا يصبح أحمد مناصرة آخر يكبر بين كل صورةٍ وصورة وتكبر في عينيه أوجاع القيد والانتظار.
الأسير كراجة لا زال موقوفاً منذ عام، تثار قضيته حين يحين موعد محاكمته ثم تدمل عائلته الجرح، الأسير كراجة تعرض لإطلاق الرصاص الحي في منطقة الصدر والحوض والكتف، إصابات لا تستدعي وجوده في الرملة بل في مستشفى خاص، ورصاصات لا تزال في جسده ترافقها آلامٌ وحده كراجة من يستطيع وصفها فقط.
14 محاكمة للأسير كراجة وتوقيفٌ لعام وملفٌ صحيٌ مهمل تستدعي أن تقف مؤسسسات حقوق الإنسان عند مسؤولياتها، علاوةً على مؤسسات حقوق الطفل والقوانين التي تنص على أن تقييد حرية الأطفال يجب ان يكون قصيراً، وأن لا يمتد لأشهر فماذا عن السنوات، أحمد مناصرة(12عاماً) يقضي حكماً مدته 9 سنوات ونصف، محمد عبيدات(16عاماً) يقضي حكماً مدته 25 عاماً، عثمان شعلان(18عاماً) يقضي حكماً مدته 9 سنوات، عماد حرز الله(18عاماً) وحكمه 4 سنوات، والطفل المريض بمرض تآكل الفخذ أنس حمارشة(17عاماً) والذي يقضي حكماً مدته عامين، واللائحة تطول والأحكام والغرامات لم يعد يعيقها سن الطفولة.
إحصائيات
تشير الإحصائيات والدراسات إلى أن الاحتلال اعتقل ما يزيد عن 900 طفل منذ مطلع هذا العام، فقد شهد شهر يناير على اعتقال 351 طفلاً بينما وصل إجمالي عدد الأطفال المعتقلين حتى شهر يونيو 270 طفلاً تعرفهم القوانين بأنهم الأطفال ما دون سن ال18 عاماً، بمعدل 90 طفل ما بين شهر وآخر.
يتوزع الأطفال على كل من سجن عوفر ومجدو في حين لا يزال من هم موقوفون منهم في مراكز التوقيف والتحقيق، وقد أجبرت أعدادهم المتزايدة إدارة سجن عوفر وإدارة سجن مجدو على افتتاح أقسام أخرى لاستيعاب أعدادهم، في الوقت الذي لا تراعى فيه أعمارهم.
الأسير الطفل لا يقف عمره عائقاً أمام جمل من الانتهاكات التي تتربص به، بدءاً بلحظة الاعتقال، فعدد من الأطفال الأسرى اعتقلوا بعد إطلاق الرصاص عليهم، وعدد منهم اعتقلوا من بيوتهم من بين عائلاتهم وتعرضوا للضرب والسحل والتنكيل، ومنهم من استمر ضربه أثناء نقله في الجيب العسكري، وحتى بعد وصولهم إلى مراكز التحقيق واستخدام كافة الوسائل للتحقيق معهم دون أي اعتبار لأي قانون إنساني، وصولاً إلى استصدار الاحتلال لقوانين تتيح إصدر إحكام عالية بحقهم، وحرمانهم في أحيان كثيرة من استقبال ذويهم وحقهم في الزيارة.
كما ولا تشفع طفولتهم في تعرضهم بين الوقت والآخر لهجمات وحدات اقتحام السجون الوحشية، فتماماً قبل ستة أيام تعرض قسم 2 في سجن مجدو لاقتحام وقمع ونقل عدد من الأسرى الأطفال لزنازين العزل الإنفرادي، وكذلك قبل فترة قصيرة جرى اقتحام قسم الأشبال في مجدو والاعتداء على الأسرى هناك، والتنكيل بهم وبممتلكاتهم القليلة في السجن وشتمهم وضربهم ورشهم بالغاز بدعوى وجود حملة تفتيش على القسم.