لم يعد غريبا لدى الكثيرين أن يقوم الاحتلال باعتقال السيدات والفتيات ومنهن المبدعات والكاتبات والعاملات في مجالات تربوية عدة، ولكن بالنسبة لعائلاتهن ومعارفهن فالأمر بالطبع غريب ولا يحتمل الاعتياد على المشهد الظالم هذا.
وفي عتمة الليل وقبل بزوغ الفجر تعمل آلة الاحتلال الضاربة لتدسّ حقدها في المنازل الفلسطينية؛ فتخطف الأم من بين أطفالها والابنة من عائلتها والأب من بين أبنائه والابن من دفء بيته، لتخلّف حالة قاتلة من الحزن والبرود التي تخيم على المنزل بعد انسحابها.
"إسراء" المجتهدة
ومن ضمن القصص الكثيرة لاعتقال السيدات والفتيات والتي كانت محافظة الخليل منذ فترة مربعاً لها؛ فوجئ كل من يعرف الكاتبة إسراء خضر لافي (٣٣ عاما) باعتقالها فجر الأربعاء ونقلها إلى جهة مجهولة قد يتبين فيما بعد أنها التحقيق القاسي كما حدث مع نظيراتها.
ويقول والدها القيادي في حركة حماس خضر لافي لـ مكتب إعلام الأسرى:" استيقظنا جميعاً على صوت طرقات قوية على باب منزلنا في بلدة صوريف شمال الخليل؛ لم يستغرق الوقت طويلا حتى علمنا أنهم جنود الاحتلال، دخلوا إلى المنزل وكان معظمهم من المجندات، ثم طلبوا بطاقات هوياتنا جميعا وحين أحضرناها ودققوا فيها أعادوها لنا وأبقوا على هوية ابنتي إسراء، ثم قال الضابط المسؤول لها أنتِ رهن الاعتقال".
الصدمة التي ملأت قلوب العائلة لم يستطع الوالد وصفها؛ فقال من فوره خذوني بدلا عنها، ولكن الرد كان أنهم يريدون إسراء لا غيرها، وبلا حول ولا قوة ودعت العائلة ابنتها وهي تقاد إلى آليات الاحتلال ويتم تقييدها لتغيّب بعدها دون أن يعلم أحد كم ستغيب.
وفي خضم الحديث عنها لا يستطيع الوالد إلا أن يستذكر ابتسامتها وعطفها الذي لا يغادر أيا من تصرفاتها، موضحا أنها "عَصب البيت" ومن يضفي عليه جوا جميلا، بينما لا يغفل اجتهادها ونشاطها العلمي والاجتماعي.
ويقول:" إسراء كانت متفوقة منذ صغرها وكانت تحب الدراسة وتشعر بالشغف تجاه أي إنجاز، تخرجت من جامعة البولتكنك في الخليل في تخصص هندسة الحاسوب ثم حصلت على درجة الماجستير من جامعة القدس- أبو ديس وتدرس حاليا في جامعة بيرزيت لتحصل على شهادة أخرى في الماجستير".
وإلى جانب دراستها أصرت إسراء على أن تشارك في إنجاز إعلامي فعملت في فضائية القدس ضمن إنتاج برنامج نسيم الأحرار؛ وعملت في فضائية الأقصى ومع جهات إعلامية عدة لم تتدخل العائلة يوما في معرفتها أو متابعتها لأنها تثق بجهودها كل الثقة.
ويضيف الوالد بأن ابنته كاتبة في عدة مدونات ومجلات؛ وأنها باحثة متميزة حيث حازت على المرتبة الأولى على مستوى الوطن مؤخرا ضمن مسابقة بحثية كتبتها في أكاديمية القدس.
ويستطرد قائلا:" إسراء إنسانة ملتزمة تحترم الصغير والكبير قريبة من القلب يحبها الجميع ولا تعرف الكسل ولو استطاعت أن تصل الليل بالنهار لفعلت".
الاعتقال.. ضريبة
وترى العائلة أن اعتقال ابنتها يأتي في إطار الضريبة أو الثمن الذي يجب أن يدفعه كل حر في فلسطين، فالاحتلال يعلم جيدا دور العناصر المؤثرة خاصة المؤهلة علميا ويقوم بتغييبها.
ويشير والدها إلى أن الاحتلال كان هاتف إسراء سابقا وحذرها من استمرارية العمل في فضائية الأقصى، ولكن لم يسبق لها التعرض للاعتقال أو الاستدعاء.
ويضيف:" هذه ضريبة الحق والحرية وسيدفعها الجميع رجالا أو نساء، وأسأل الله تعالى أن ييسر أمرها وكل الأسيرات وأن يعدن جميعا إلى منازلهن التي أصبحت باردة في غيابهن".
عائلة إسراء عانت من الاعتقالات بتغييب الوالد لسنوات، حيث اعتقل بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠١٢ عدة مرات أمضى خلالها ستة أعوام ما بين سجني النقب وعوفر.. والآن تدخل إسراء المعتقل لمدة لا يعلمها إلا الله شاكية إليه ضعف قوتها وظلم الاحتلال لها.