أيامٌ من القلق تمر ثقيلةً على كاهل أهالي الأسيرات، على أذهان أمهاتهن اللواتي لم يسرهنَّ وضع بناتهن في آخر زيارةٍ زرنها لهن قبل فترة، فلم تعد الزيارة المتنفس الذي تعود بعده الأم بجرعةٍ من التفاؤل والأمل بالفرج القريب، بل حملاً من القهر يضاف إلى أحمالهنَّ الكثيرة، فمنذ أكثر من 20 يوماً تكافح أسيرات سجن هشارون وحدهن إلا من فئةٍ قليلة إجراءات إدارة السجن بحقهن، والقرار المفاجئ القاضي بتشغيل كاميرات مراقبة في ساحة السجن تم تغطيتها منذ سنوات.
منذ تاريخ 5/9/2018 امتنعت الأسيرات في سجن هشارون من الخروج للفورة وهي المتنفس الوحيد لهن نحو الضوء والهواء النقي، أملاً في الضغط على إدارة السجن من أجل العدول عن قرار تشغيل الكاميرات، في الوقت الذي تدعي فيه إدارة السجن أن هذا القرار يأتي كإجراءٍ رقابي في حال وقوع حدث أمني.
إدارة سجن هشارون قدمت للأسيرات مقترحاً لإغلاق الكاميرات مدة ساعتين يومياً ومن ثم تشغيلها إلا أن هذا المقترح يشكك في الإجراء الرقابي الذي فرض هذا القرار من أجله والقاضي بمراقبة السجن في حال وقوع حدث أمني، وعليه فقد رفضت الأسيرات هذا القرار، وأكدن على مواصلتهن لقرار التزام أقسامهن وعدم الخروج للفورة.
تقول المحررة علا مرشود والتي خرجت من سجن الدامون قبل أيام بعد قضاء سبعة أشهر في الأسر، وكانت على إطلاع لما يحدث في هشارون، في حديثٍ لمكتب إعلام الأسرى"قرار رفض أسيرات هشارون لتشغيل الكاميرات لا يأتي من فراغ، فالأسيرة بحاجة لفسحة من الخصوصية، أن تكون مطمئنة على نفسها وعلى راحتها والتصرف بحرية".
تشير المحررة مرشود إلى أن الأسيرات يكفيهن ما يتعرضن له من منع إدخال ملابس تجلبها عائلاتهن عند الزيارة، وحرمانهن من إدخال الكتب والتخلص من أخرى، ومن إضرارهن حتى لشراء الدواء من الكانتينا على حسابهن الخاص لإن إدارة السجن تهمل في علاجهن، كل هذه الممانعة تكفيهن حتى تعود إدارة السجون لتنغص عليهن حياتهن من جديد وتعمد لإجراء تشغيل الكاميرات، ما يعني تقييد حركتهن وراحتهن ونومهن وكل نشاطاتهن بحججٍ واهية.
والدة الأسيرة لمى البكري (17عاماً) من سكان مدينة الخليل، والتي تقضي حكماً بالسجن مدة 39 شهراً والذي قارب على الانتهاء في غضون أشهر قالت" يكفيهن حبسهن، حتى يتم اتخاذ إجراءت اخرى بحقهن" والدة الأسيرة البكري لم تتمكن من زيارتها منذ فترة لكنها تتواصل مع محاميتها لمعرفة أخبار ما يحدث في سجن هشارون، وقد علمت أن غرف الأسيرات يتم الإبقاء عليها مفتوحة على بعضها البعض، فلا تتمكن الأسيرات من الراحة حتى في أقسامهن الخاصة ما يشكل انهاك واضح لخصوصيتهن.
وتضيف أم الأسيرة لمى البكري"الله وحده من يعلم بحالنا في الأيام الماضية، المحامية تخبرني بأنهن يواجهن ضغوطات كثيرة، وأهالي الأسيرات الذين تمكنوا من زيارتهن قبل أيام لم يطمئنوني عن أوضاعهن ولم يكن حديثهم مريحاً".
منذ أيام تنتظر والدة الأسيرة شاتيلا أبو عيادة والمحكومة بالسجن مدة 16 عاماً أن يتم النظر في قرار نقل ابنتها إلى سجن الدامون، لكن وبفعل الأحداث التي جرت في سجن هشارون، بعد قرار تشغيل كاميرات مراقبة تم تعطيل مطلبها في النقل، وقد علمت أم شاتيلا حين زارتها قبل أيام أن وضعهن ليس سهلاً.
تقول والدة الأسيرة أبو عيادة"زرتها الأسبوع الماضي، وأخبرتني بأنهن مضربات عن الخروج لساحة الفورة، فالكاميرات التي تم تركيبها تكشف كافة الممرات كما أخبرتها ابنتها، وحتى أنها تكشف المطابخ من الداخل، لذلك عمدت الأسيرات لقرار التصعيد ونحن نساند قرارهن وننتظر أية أخبار".
منذ أيام والأسيرات في سجن هشارون لا يقاتلن إجراء الاحتلال القاضي بتشغيل الكاميرات المعطلة منذ سنوات وحدهن، فقد أعلن عدد من الأسرى من معتقلات مختلفة إسنادهم للأسيرات في خطوتهن ضد إدارة السجن، فعمدت بعض السجون إلى إغلاق أقسام كاملة احتجاجاً على هذا القرار، في حين تم إرجاع وجبات طعام أيضاً لذات الغاية، غير أن الأسيرات بحاجة لوقفة جادة من أجل إسناد خطواتهن.
تشغيل الكاميرات في سجن هشارون يعني أن تبقى الأسيرة مقيدة 24 ساعة في المطبخ في الممر في الغرفة وفي ساحة الفورة وأن تتحكم بتحركاتها مخافة أن يتم مرقبتها وهي منفذ لإجراءات أخرى إن لم تلقَ رفضاً، ومنفذ حتى تفرض إدارة سجن هشارون نفسها على حقوق الأسيرات في نيل القليل وتبدأ تدريجياً بسحب حقوقهن.
قرابة الـ30 أسيرة في معتقل هشارون ينتظرن وقفات إسنادية لهن ولخوطتهن ضد إدارة السجان، وقرابة الـ30 عائلة أيضاً لم تعرف طعماً للنوم ولا الراحة ولا الطعام منذ 19 يوماً، أيديهم مكبلة وينتظرون أي خبر من شأنه أن يخفف من قلقهم شيئاً.