تماماً قبل سبعة أشهرٍ من اليوم، كان عداد الاحتفال بإنهاء المرحلة الجامعية بالنسبة للطالبة الشغوفة علا مرشود (21عاماً) من سكان مخيم بلاطة، قضاء مدينة نابلس، قد بدأ، شهران فقط وتنال علا درجة البكالوريوس في تخصص الإعلام من جامعة النجاح الوطنية، شهران وتنال حصتها وافرة من توافد السبل المفتوحة نحو تحقيق أحلامها المستقبلية وطموحاتها، وفجأة، توقف كل شيء.
طلب استدعاء، رحلة من التفكير في مركبةٍ تقلها وقريب إلى التحقيق، ادعاءات، المحقق متغيب، تأجيل، وفجأة تحول استدعاء المقابلة للشغوفة علا مرشود إلى توقيف، ثم محاكم، ثم اعتقال وحياة في الأسر لم تكن لتتخيل يوماً أنها ستعيشها، مع لقب أسيرة موقوفة.
المحاكم والبوسطة
كانت علا مرشود في حديثها مع مراسل مكتب إعلام الأسرى حريصةً على سرد التفاصيل الخاصة بالألم والقهر، ومن ثم تعميم التجربة والانتظار الذي مرت به على حياة الأسيرات، تقول علا مرشود"لعل أقسى تجارب الاعتقال هي المحاكم، وبشكل خاص المعبار، تبدأ رحلة الأسيرة إلى المحكمة بالتفكير بالألم الذي عليها أن تكابده في كل مرة تدخل فيها المعبار، كنت أقضي أياماً في رحلة المحاكم، ومرة قضيت خمسة أيام، وتخيلوا أن الخمسة أيام والثلاثة أحياناً كانت لأجل 5 دقائق محاكمة يقول فيها القاضي أن القضية قد تأجلت، وأحياناً أرى عائلتي وأحياناً لا، مراتٍ نتبادل إشارات الحديث ومراتٍ حتى هذه الفرصة لا تحدث".
تصف علا مرشود واقع المعبار الذي تمكث فيه الأسيرة في رحلة الذهاب للمحكمة، تقول بأنها كانت تقضي ساعاتٍ طوال، أياماُ في العزل، في سجن للمدنيات، غرفة فيها تلفاز لا يسمح بتشغيله لقتل الوقت والتفكير، الكهرباء مقطوعة، الرائحة نتنة، كاميرات مراقبة في كل زاوية وحمام داخل الزنزانة.
توضح علا مرشود" كنت أحرص على أن لا أكل خلال الثلاثة أيام التي أذهب فيها للمحكمة؛ حتى لا أضطر للذهاب للحمام، كانت البوسطة عبارة عن قبر متنقل، الحشرات تملأ المعبار، تعامل مجحف من قبل السجان، رحلة عذاب من الألف للياء".
بقيت علا مرشود على هذه الحالة من الألم والانتظار مدة خمسة أشهر، حين انتهى الجزء الخاص من عذابها مع محكمة سالم، وصدر بحقها حكم التغيب عن الحياة إلى مدافن الأحياء مدة سبعة أشهر، وجاء جزء آخر من حياة علا في سجن الدامون، من سماعها لقصصٍ موجعة، وشهادتها على انتقام إدارة السجون.
قصص من الألم
تقول علا مرشود"كنت أتفاجئ من عدم معرفة عدد من الأسيرات بحقوقهن ووجوب الحديث مع إدارة السجون للوقوف على مسؤوليتها وتحقيق مطالبهن، القصص المؤلمة في سجن الدامون لا مجال لحصرها، الأسيرات الجريحات، الإهمال الطبي، حقوق الزيارة المنهكة، والكثير".
شهدت علا مرشود على عدم سماح إدارة السجون للأسيرات بالاحتفال بعيد الأضحى داخل سجن الدامون، حرمانهن من التكبير، ومن الاحتفال والفرحة، شهدت على عذاب الأسيرتين نسرين بو كميل، وابتسام موسى من قطاع غزة، واللواتي تحرمهن إدارة السجون من حق الزيارة، ويعانين من حربٍ متبادلة بينهن وبين الإدارة لنيل هذا الحق.
كذلك شهدت علا على ألم الأسيرة مرح باكير، الجريحة الغضة التي لا زال البلاتين في يدها منذ العام 2015، وستنتظر خمس سنوات أخرى حتى يتم إزالته، فإدارة السجون ترفض إزالة البلاتين من جسد الأسيرات الجريحات بدعوى أنهن سيزلنه حين يخرجن من الأسر، رغم آلامهن، في حين عدد منهن محكومات بأحاكم لا منطقية وعالية، ومنهن الأسيرة شروق دويات التي تقضي حكماً مدته 18 عاماً، ومرح باكير والتي تقضي حكماً مدته ثماني سنوات.
وربما لن تنسى الأسيرة علا مرشود مقدار الألم الذي تعاني منه الأسيرة أمل طقاطقة، جراء الإبقاء حتى الآن على رصاصة في جسدها، وهي رصاصة قريبة من منطقة القلب، ولن تنسى أيضاً الإهمال الطبي الذي تتعرض له الأسيرة جيهان حشمة، ولا الوضع الكارثي كما تقول للأسيرة إسراء جعابيص والذي لن تفلح الكلمات في وصفه بتاتاً.
تؤكد المحررة علا مرشود على أن رسائل الأسيرات واضحة، هن يطالبن بالوحدة والمصالحة القريبة، يصفن حياتهن وكل لحظة بعيدة لهن عن الحرية بالحياة مع وقف التنفيذ، يطالبن أن تبرز قصصهن بذات الأهمية، أن لا يتم النبش عن آلام بعضهن وتدفن أخرى، ويؤكدن على أحقيتهنَّ بأن تفعل قضيتهنَّ وأن يقدم الدعم لذويهن ولقلوبهم التي تنتظر هي أيضاً الحرية.