بدماثة أخلاقه وعراقة نضاله في سجون الاحتلال، استهل المحرر الأديب محمد الخطيب (65عاماً) من سكان مخيم قلنديا حديثه لمكتب إعلام الأسرى عن تجربة الأسر التي بدأت عام 1970 بعد عامين ونصف من احتلال الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والجولان، حين كان بعمر ال16 عاماً، وذاق في هذا العمر ويلات الأسر في مركز تحقيق المسكوبية سيء الصيت، ومركز تحقيق البصة.
يوضح الأديب المحرر محمد الخطيب"كبرت داخل الأسر، فالاحتلال اعتقلني عام 1970 وأخضعني لتحقيقٍ قاس، ولعدم ثبوت التهمة أصدر بحقي الاعتقال الإداري العنصري، وكنت أصغر معتقلٍ إداريٍ في سجون الاحتلال، فذقت مرارة التحقيق في معتقل المسكوبية، وزنازين شُيدت في العهد العثماني".
ويضيف الخطيب"خلال الاعتقال الإداري جرت صفقة بين المدعي العام العسكري والمحامي، تم خلالها إصدار قرار بسجني لمدة عامين أمضيتها في سجن رام الله وسجن نابلس المركزي، وكانت السجون وقتها يمكن وصفها بالمأساوية الكارثية، فقد كنا في غرفة مساحتها 22 متراً مربعاً، فيها 45 أسيراً بين مدنيٍ وأمني".
يستذكر الخطيب تلك الأيام فيقول"كنا كعلبة سردين، لا يستطيع أحد منا الحركة، فلا تهوية ولا طعام ولا دواء، وكانت المخابرات الإسرائيلية تتعمد وضع الأسير الأمني مع المدني حتى تزداد المعاناة ويغيب الشعور الوطني، وتكون الحالة النفسية في حالة إحباط وانتكاسة شعورية، فالمخابرات الإسرائيلية كانت تهدف إلى خلق صدمة لدى الأسير الأمني حتى يكفر بالعمل الوطني ولا يعود لمربع مقاومة الاحتلال".
زواج... فعودة للأسر
بعد خروج الأسير الخطيب من السجن عام 1975 تزوج، وفي العام 1978م عاد إلى السجن مرة أخرى لمدة ثلاث سنوات وتم إضافة سنة أخرى له داخل الأسر مع وقف للتنفيذ لمدة ثلاث سنوات وبعد الإفراج عنه عام 1982، عاد الاحتلال ليعتقله بداية العام 1985، يقول الخطيب"75 معتقلاً اعتقلنا بتهمة التحضير للانتفاضة الكبرى، وجرى تحويلي للاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر، وبعدها عدت عام 1991 للاعتقال، وتم فرض الإقامة الجبرية والمنع من العمل والملاحقة الأمنية بحقي، والتي تهدف إلى قتل روح المحرر حتى ينسلخ عن العمل الوطني".
يتابع المحرر الخطيب حديثه بالقول"أول مادة ألفتها داخل الأسر حملت اسم كشكول، وكانت تتحدث عن ظاهرة العملاء داخل جسم الحركة الأسيرة، وما يقومون به من أعمال مشينة وانتزاع اعترافات من معتقلين وزجهم في الأسر لسنوات طويلة".
يبيّن المحرر الأديب بأنه كان أول من أطلق على العملاء في سجون الاحتلال مصطلح العصافير، وأصبح هذا الاسم مشهوراً في صفوف الأسرى والمحررين وحتى في صفوف الشعب الفلسطيني، حتى أن أحد ضباط الشاباك كتب عن مؤلف الكشكول أنه مادة تعبوية للقتل واستشهد بذلك ببعض المقتطفات منه، وقد تم حظره في السجون ومصادرته من الغرف".
الحوار الوطني
يقول المحرر الخطيب"من القضايا التي اعتز بها أنني كنت أول من أرسى قواعد الحوار الوطني داخل السجون بين أطياف الحركة الأسيرة وأرسى قواعد الوحدة، وهذا اعتبره أكبر انجاز لدي أنني كشفت العملاء وحذرت منهم، ودعوت إلى الحوار والوحدة ووضعت قاعدة وطنية للحوار، إضافة إلى إخراج مؤلفات منها، رقصات على ضفاف روحي عام 2005م، وزخارف على دروب رحلتي، وكتاب من فوهة القلم وأنجزت منه أربعة أجزاء والخامس قيد الانجاز".
وعن المقارنة بين الحركة الأسيرة في عهد السبعينيات والثمانينيات والوقت الحاضر، تنهد الخطيب وكأن في صدره بركان، ثم قال" أقولها بمرارة، كانت الحركة الأسيرة في السابق أكثر التصاقاً بالقضية، بينما اليوم الالتفاف فاتر وكانت الحركة الأسيرة في السابق أكثر نخبوية وهناك عتب على الموقف الرسمي والشعبي من قضية الأسرى ودعم الحركة الأسيرة ، فالحركة الأسيرة تواجه أعتا احتلال في العالم لوحدها كمن يواجه بكفه المخرز، ويجب أن تكون هناك يقظة حقيقية لنصرة الأسرى وتدويل قضيتهم، فنحن نمتلك أكبر حركة أسيرة في العالم وفيها من الطاقات التي تكفي لنهضة أمة بأكملها".
وختم الخطيب حديثه بالقول"أنا أعيش في مخيم قلنديا على أعتاب مدينة القدس المحروم منها، فعائلتي هجرت من قريتي البرج قرب الرملة في النكبة، وانتقلنا إلى مخيم قلنديا، ومازالت فلسطين تسكن قلبي رغم اللجوء والأسر".