يجلس عمر، صاحب السبعة أعوام ليستمع بإنصات للصوت القادم من إذاعة الأسرى، عليه أن يُبلِّغ جدته الأسيرة كم يحبها، ويذكرها بأن تصبر وتبقى قوية، فقد كُتب عليه أن يتواجد في بلادٍ محتلة، وتحديداً داخل قطاع غزة، وأن يصبح أكبر من عمره، ويدرك معنى الأسر مبكراً، ومعنى غياب جدته وقصصها، تلك التي كان شغوفاً بسماعها، وفقدها كما فقد فرحته حين الذهاب لمنزل جدته واللعب والضحك هناك كما اعتاد.
للجدة والأسيرة ابتسام عيد موسى (59 عاماً) من خانيونس، جنوب قطاع غزة، ثمانية أحفاد، أكبرهم يدعى عمر وأصغرهم يدعى يزن وعمره سنة وثمانية أشهر، وهم يحبونها جميعاً بذات القدر، يشتاقون لها ويسألون دائماً عن موعد حريتها.
اليوم يُتاح لعمر وأحفاد عائلة موسى أن يطووا سنة من غياب جدتهم عن المنزل، وينتظروا أن تنطوي سنة أخرى، لتعم الفرحة منزل الجدين مجدداً، فكثيراً ما تجد عائلات الأحفاد الثمانية، أبنائهم في بيت الجدة يجلسون ويرفعون أيديهم للدعوة لها بالحرية القريبة، والدعوة على من سلبها منهم، ويعلمون أنها أسيرة العمل الإنساني، ويتذكرونها ويبكون عليها كثيراً.
تعلق في ذهن ابنة الأسيرة ابتسام موسى، ياسمين، رسالة لأحد أحفادها لها قالها على الإذاعة، وهي"كيف أنت، وما هي أخبارك، اشتقنا لك وندعو لحريتك، ابقي قوية، ودفئي نفسك من البرد جيداً" لقد بدا لها ذلك الحفيد رجلاً في وصيته لجدته.
أحمد ومحمد وأمل وآلاء ونور وهبة وياسمين، هم أبناء الأسيرة ابتسام موسى ولكٍلٍ منهم حكاية وسر بحوزتها، وكان من المفترض أن تغادر رفقة خالتهم المريضة لعلاجها في الداخل المحتل، وتعود سريعاً، لكن مر على ذلك عامٌ كامل، منذ اعتقالها بتاريخ 19/4/2017، وإصدار حكم مدته عامين بحقها.
لا يُتاح لعائلة الأسيرة موسى أن يزوروها بسبب الإجراءات الأمنية المشددة على قطاع غزة، ولأن الأسيرة بدورها منعتهم أن يأتوا إن أتيحت لهم الفرصة، فهي ذاقت مرارة التنقل ولا تريد لهم خوض ذات الألم، وتشعرهم بدلاً عن الزيارات بقربها عبر رسائل مكتوبة تخرجها معهم حين تنال أسيرةٌ ما من قسمها حريتها.
قبل مدة وصلت العائلة جميعاً رسائل متفرقة من الأم ابتسام موسى، باستثناء ابنتها المتعلقة بها بشدة، ياسمين، تقول ابنتها" حين تم تفحص الموضوع تبين أن أمي أخرجت لأجلي رسالة لكن إدارة السجن استثنتها نظراً لتضامني الدائم مع الأسرى وكتابتي عن قضاياهم باستمرار، ذلك آلمني كثيراً، لأنها الطريقة الوحيدة التي أتواصل بها مع قلب أمي داخل الأسر، وأنتظر تلك الرسائل دائماً بشوق".
12 شهراً أخرى ستمر على العائلة بألم كبير، نتيجة غياب عامود البيت، وجدة الأحفاد الصغار، ابتسام موسى، ذكرياتها لا تزال عالقة في كل غرفة، والآلام مضاعفة حين تُقدر العائلة مدى ألمها لتواجدها بعيدة عنهم، وفي بيئة لم تعتدها وغير مناسبة لسنها، ولتهمٍ ملفقة.