تُختصر سيرة المرء الذاتية أحياناً كثيرةً باسمه فقط، فحرباً على الذاكرة قصيرة المدى يسمي الفلسطينيون أبنائهم باسم قراهم المهجرة، وباسم شهدائهم، وباسم أسراهم، وحتى باسم أحلامهم المختطفة، كما فعل أسيرٌ من هذه البلاد، موجودٌ في سجون الاحتلال منذ 14 عاماً، ورغم ذلك خارج حدود معتقله استمرت الحياة طبيعية، وتذكره قليلون، حين طوى عاماً جديداً في اعتقاله فقط.
داخل بيته كان لكل تصرفٍ ما، ولكل حكايةٍ، ولكل اسمٍ يطلق على مولودٍ جديد قصة، لتحتفظ عائلته بحضوره روحاً على الأقل داخل جدران منزله، وتتمسك بأملٍ يصارع الأخبار الموجعة التي تأتيهم عنه من داخل سجون الاحتلال.
عن سيرته
من قرية عابود، قضاء مدينة رام الله، خرج الأسير علي حسين حسن البرغوثي(45عاماً) لم يكن جرح انتفاضة الأقصى قد برأ من قلبه وقلب عائلته تحديداً، ففيها فقدت العائلة شهيدها علاء البرغوثي، وفي جنازته سار علي، يفكر كلهم في طريق، وهو في طريقٍ آخر.
الأسير علي البرغثي والمكنى بأبي علاء، وهو ابنه الوحيد الذي رزق به قبل أن يصدر بحقه حكم المؤبد، خاض طريقاً قبل الاعتقال لا يعلم مدى ألمها وإنجازاتها سواه، ويتحدث عنها مؤبده والأربعين سنةً التي صدرت بحقه لقاء دفاعه عن وطنه.
اليوم تتخوف عائلة الأسير البرغوثي من أن تكون سجون الاحتلال قد طوت اسمه من أرض بلاده وذاكرة شعبه، فيصبح مجرد رقماً يحتفى فيه مرةً كل عامٍ حين يذكر تاريخ الاعتقال، أو حين صدور خبرٍ سيءٍ من داخل السجون يفيد بتدهور حالته الصحية.
لا أقدرَ على سرد معاناة بيتٍ يفتقد لأسيرٍ مؤبد سوى أمٍ مكلومة، أم علي البرغوثي روت لمكتب إعلام الأسرى تفاصيل الانتهاكات الكثيرة التي ألحقتها إدارة السجون بحق ابنها خلال سنوات اعتقاله المنصرمة.
ملفه الصحي
تقول أم علي" قبل أيام علمنا من محاميه أن أحد فحوصاته أظهرت خللاً في دقات قلبه وعدم انتظامها، إضافةً إلى شعوره بالغثيان وفقده لوعيه، وحتى اليوم لا نعلم بشكلٍ مؤكد كيف هو وضعه الصحي وهل تفاقم للأسوأ، أم تحسن".
الأسير علي البرغوثي وقوفاً عند صحته لم يجد سبيلاً للعلاج فيما مضى، إلا بإعلانه إضراباً مفتوحاً عن الطعام، حدث هذا قبل عدة أشهر، وطالب فيه بأن تجرى له فحوص شاملة لمعرفة السبب وراء عدم انتظام دقات قلبه وإعيائه الدائم وصعوبة الحركة التي بات يعاني منها في الآونة الأخيرة.
حتى اليوم لا يعلم الأسير البرغوثي كما ولا تعلم عائلته المرض الذي يعاني منه والعلاج الذي يجب ان يوفر له، وباستمرار تواجده في سجون الاحتلال في جوٍ من الإهمال الطبي سيكون على العائلة أن تنتظر طويلاً لسماع أخبارٍ تفيد بتحسنه.
انتهاكاتٌ في الاعتقال
تقول والدته أم علي"علي تعرض لعقوبات كثيرة، كان آخرها حين تم تفتيش الأقسام في سجن عسقلان فقد تم نقله آنذاك إلى معتقل أوهليكدرا، وأنا لم أزره منذ شهر رمضان الماضي، ولا أعلم ما وصل إليه حاله".
تحفظ أم علي جيداً سنوات أسر ابنها وأين أمضاها، فقد أكلت الزيارات من جسدها الكثير، كما أمهات الأسرى، وحفظت الطريق نحو سجن هداريم ونفحة وبئر السبع وعسقلان، ولا زال لديها أمل بأن حرية شقيقها قريبة.
في سجن هداريم قضى الأسير علي البرغوثي أولى سنوات اعتقاله منذ تاريخ 28/4/2004، أم علي تعد على أصابعها وتقول" أتم ابني هناك خمس سنوات"، وفي سجن نفحة خذلت الذاكرة أم علي قليلاً، وأنصفتها الرياضيات فقد قضى هناك قرابة الأربع سنوات، وتعود لتؤكد من جديد"مكث علي في سجن بئر السبع أيضاً خمس سنوات، واليوم هو في سجن عسقلان وحرمت أنا من حقي في رؤيته".
ليست أم علي وحدها من تعاني اليوم من المنع الأمني، فلعلي أربع شقيقاتٍ لم يزرنه منذ اعتقاله، وشقيقين آخرين لم يزوراه في سجونه الكثيرة.
بالنسبة لأم علي حكاية ابنها تتلخص في انتهاكات الاحتلال الكثيرة بحقه، نقلهم المستمر له بين السجون، وعزلهم له، خوضه تجارب من تفتيش الأقسام وإخراجهم في ساعات البرد ليلاً حتى انتهاء التفتيش الليلي، وتنقله عبر البوسطة من سجنٍ لآخر ومن محكمةٍ لأخرى، حتى حصل على عدادٍ لم تمارس عائلته طقوس العد عليه يوماً، فمؤبدٌ وأربعون سنة بالنسبة لهم، غير قابلة للعد.
ما يؤلم العائلة، وما تطالب بمعرفته هو الوضع الصحي لابنهم علي، والمواعيد التي من الممكن أن يحصل فيها على تقارير طبية نهائية تكشف له سبب تعبه الدائم وذهاب قوته الجسدية منه شيئاً فشيئاً.