ولد مع نكبة بلاده، واقترن مصيره بمصيرها، فكما الغيورين على تراب بلادهم، ثار شهيد الإهمال الطبي في السجون، ميسرة أبو حمدية، المكنى بأبو طارق وابن مدينة خليل الرحمن، لأجل أرضه، بدأ حياته كشابٍ طموح، التحق بجامعة بيروت لدراسة الحقوق، ثم أدرك أن حبه للبلاد لن يسمح له بأن يتدارك هذه الطموحات ويكمل دراسته، فاختار طريقاً أخرى، مكتب إعلام الأسرى اختار عرض سيرة ذاتية موجزة من حياة الشهيد الأسير ميسرة أبو حمدية.
عام 1968 انخرط الشهيد أبو حمدية في صفوف الثورة، وبدء عهده مع السجون باعتقاله بتهمة الانتماء لاتحاد طلاب فلسطين في العام 1969، وكذلك تم اعتقاله في العام 1976، تحت ملف الاعتقال الإداري، وفي العام 1978، تم إبعاده إلى الأردن.
التحق الشهيد ميسرة في صفوف الثورة الفلسطينية في لبنان، وقاتل في كتيبة الجرمق، تميز بأخلاقه ودينه وخبراته التقنية الفنية في مجال التصنيع، وكان مناضلاً فذاً يعمل بجد وبصمت، شهد له من عرفه بالتدين والالتزام بالعبادات، ذو عقلية استراتيجية مميزة في التفكير السياسي والجهادي، خبير في إعداد المتفجرات والعبوات الناسفة، صاحب عقلية أمنية مميزة.
عام 1998 عاد أبو طارق إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد اتفاقيات أوسلو، التحق بصفوف جهاز الأمن الوقائي، وأصبح مسؤولاً عن قسم مكافحة التجسس، لكن عمل أبو طارق الوطني داخل الجهاز لم يعجب قيادة الجهاز آنذاك، فحصلت مشادات وخلافات بين أبو حمدية وقيادة الجهاز على خلفية كيفية ملاحقة عملاء وجواسيس الاحتلال، انتهت بخروج أبو حمدية من الجهاز بعد شهور قليلة جداً.
رغم عودة أبو طارق إلى الأراضي المحتلة ضمن اتفاقيات أوسلو، إلا أنه كان يدرك أن الاتفاقيات لن تحقق للشعب الفلسطيني أي مستقبل، لذلك تفرغ للعمل المقاوم الصامت، بعيداً عن المواقع الرسمية، وبنى جسور وعلاقات مع فصائل المقاومة، وأصبح من أبطال القسام الميامين، الجنود المجهولين، الذين أذاقوا العدو الويلات، وسطروا فصولاً من الجهاد والمقاومة ضد الصهاينة المغتصبين.
التحق أبو طارق بكتائب القسام منذ بدايات عملها وشارك في تدريب المجاهدين، وعمل بصمت وجهد دؤوب على إمداد المجاهدين بالسلاح والمتفجرات، اعتقله الاحتلال في الثامن والعشرين من شهر أيار لعام 2002، بعد اعترافات عليه بعلاقته المباشرة مع مجموعات عسكرية بأنه قام بتجهيز أحزمة ناسفة متفجرة لهذه المجموعات الاستشهادية التي قامت بعدة عمليات مميزة.
نقله الاحتلال على الفور لزنازين التحقيق التي مكث فيها عدة أشهر، قدم بعدها إلى المحاكمة وحكم عليه بالسجن خمسة وعشرين عاماً، إلا أن النيابة العامة استأنفت الحكم، وأعادت محاكمته ليرتفع الحكم إلى المؤبد.
بعد صفقة وفاء الأحرار، انتقل ميسرة إلى معتقل إيشل ونفحة، وكان مثالاً للوحدة الوطنية وتجميع الأسرى، فقد عمل خلال اعتقاله على تقريب وجهات النظر بين أسرى حماس وفتح، لا بل كان يعمل على إعداد مشروع مصالحة بين فتح وحماس من داخل السجون والمعتقلات.
خلال الشهرين الأخيرين من اعتقاله ومنذ اكتشاف السرطان لديه طرأ تدهور متسارع وكبير على وضعه الصحي، ما هدد حياته، وأصبح بين الحياة والموت، عانى من انتفاخ في الغدد الليمفاوية، وهبوط حاد في الوزن، وعدم القدرة على النطق وأوجاع في كافة أنحاء الجسد، خاصةً في الأضلاع والعضلات، لم يكن قادراً على النوم ليلاً أو نهاراً من شدة الألم.
واشتد المرض والألم بالشهيد ميسرة، واقترب من حد الموت، لينقل مقيداً بزرد السلاسل إلى قسم العناية المكثفة في مستشفى سوروكا، ولترتقي روحه الطاهرة إلى بارئها عند الساعة الثامنة من صباح يوم الثلاثاء الموافق 2/4/2013 بعد معاناته من مرض السرطان نتيجة الإهمال الطبي ويكون الشهيد رقم(204) في قائمة شهداء الحركة الأسيرة.
في الوقت الذي ودع فيه الأسير أبو حمدية الحياة الدنيا من على سرير الموت في مستشفى سوروكا، سجل التاريخ أبشع جريمة وأخطر عمل منظم لقتل الأسير مع سبق الإصرار، وارتكبت بحقه مؤامرة متعددة الأطراف شاركت بها مديرية السجون العامة، والمخابرات الصهيونية، بسبب الإهمال الطبي وتأخير الإفراج عنه.
استشهاد الأسير أبو طارق دليل آخر على خطورة الأوضاع في سجون الاحتلال، وتأكيدٌ على استمرار جرائم القتل بحق الأسرى والتي لم تتوقف بعد أبو طارق حيث طالت بعده الشهيد الأسير حسن عبد الحليم ترابي، والشهيد رائد عبد السلام عبد الغفور الجعبري، والشهيد الأسير فادي علي أحمد الدربي، والشهيد ياسر ذياب حمدوني، والشهيد رائد أسعد الصالحي، ولا يزال الباب مفتوحاَ لمزيد من الشهداء .