لا يعدم الأسرى الوسيلة في سبيل التعبير عن خواطرهم وأفكارهم، فحتى وهم في ظلمة مراكز التحقيق، يتخذون من جدران الأسر وأبوابه سجلاتٍ يخطون عليها خواطرهم وأفكارهم، حفراً.
المحرر الصحفي رغيد طبسية الذي تحرر من الأسر قبل أيام، بعد ستة أشهر من الاعتقال على خلفية تهمة التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، يقول عن كتابات الأسرى على أبواب الزنازين والجدران في حديثٍ لمكتب إعلام الأسرى معه"الأسرى في التحقيق لا يملكون قلماً ولا ورقة، ويحفرون خواطرهم وأفكارهم من خلال قطع خشبية صغيرة، أو باستخدام أظفارهم الطويلة التي يعاقبون على عدم قصها في مرحلة التحقيق للضغط عليهم".
يضيف طبسية"أكثر العبارات التي أثرت في نفسيتي عندما كتب أحد الأسرى أسماء أبنائه الثلاثة، وقال:سامحوني، فهذه العبارة لها مدلول نفسي كبير، ففي مرحلة التحقيق يكون المعتقل منقطع بشكل تام عن العالم، وهذا العزل يؤثر على نفسيته، ويتذكر أكثر الناس قرباً على قلبه وهم الأبناء، وكلمة سامحوني تعبر عن مدى الظلم الواقع عليه من الاحتلال، وأنه يعتذر لهم على غيابه عنهم قسراً نتيجة الاعتقال والتحقيق".
في فترة بقائه في الأسر استطاع الأسير طبسية أن يشاهد العبارات على جدران الزنازين والأبواب، ويحلل نفسيات هؤلاء العظماء الذين سكنوا هذه الزنازين وهم في حالة عزلة، يقول"من هذه العبارات، عبارة الحب للعائلة والشوق لهم، ومنها عبارات التحدي وأبيات من الشعر لها عدة معاني تجذر الصمود وتقوي الإرادة".
يضيف طبسية"لهذه العبارات التي ولدت من رحم المعاناة تأثير على الأسرى والمعتقلين الذين يأتون من بعدهم، فهي وسيلة للتواصل مع الآخرين، بل إن الكثير من أصدقاء الأسرى يعرفون أخبار من سبقهم من خلال عبارات تحفر على أبواب الزنازين أو جدرانها".
المحرر الإعلامي د. أمين أبو وردة من مدينة نابلس قال في حديثٍ معه معلقاً على مقاومة الأسرى لفترات سجنهم بالكتابة على جدران زنازينهم"لا أحد يقلل من هذه الوسيلة بالنسبة للأسير داخل التحقيق، فهي توثق تجربة قيمة في كلمات قليلة، وتكون هذه الكلمات بمثابة بصمة للأسير الذي مر في هذه التجربة، ويتعرف عليها كل من يأتي بعده، فكثير من الجمل القوية منعت أسرى من الانهيار عندما شاهدوا عبارات تتحدث عن أن الاعتراف خيانة أو الصمود أقصر طريق للحرية".
يضيف الإعلامي أبو وردة"هذه الجمل تقوي عضد الأسير الذي يكون في حالة إنهاك من طول فترة التحقيق، فهي كالبلسم للمجروح، وخلال توثيقي للحركة الأسيرة في فترة اعتقالي الأولى والثانية خلصت إلى أن كتابات الأسرى على أبواب الزنازين والجدران ليست مجرد تفريغ عاطفي، بل هي وسيلة إرشادية لمن يأتي بعدهم، وأن هذه الزنزانة سكنها أناس قبلكم، وخرجوا منها أقوياء لم ينكسروا".