تعود الحاجة أم أكرم 22 عاما إلى الوراء؛ يومها كانت تحف نجلها بالدعوات وهو خارجٌ لعمله في نقل البضائع في السادسة من الصباح الباكر، كان وقتها لم يتجاوز 21 عاما من العمر وكل حلمها أن تفرح بعروس له كما بقية شباب الحي.
شيء ما داهم قلبها المسكين وهي ترتب أرجاء البيت؛ كانت تحاول أن تزيح شعور التكدّر هذا بالاستغفار والدعاء أن يحفظ الله أولادها وأن تفرح بهم، ولكنها لم تعلم أن نجلها يتعرض لعملية اعتقال قد تطول سنواتها.
يوم فاصل
اعتُقل الشاب أكرم القواسمي في السابع والعشرين من آذار عام 1996؛ ظنت العائلة في البداية أنها حالة توقيف لن تطول لأنها لم تعلم أن نجلها كان عضواً بارزاً في خلية الثأر المقدس رداً على اغتيال مهندس كتائب القسام الشهيد يحيى عياش، والإشراف على تنفيذ عمليات استشهادية في الداخل المحتل إضافة إلى مساعدة الأسير حسن سلامة في التنقل ما بين قطاع غزة والضفة المحتلة.
تقول أم أكرم لـ مكتب إعلام الأسرى بأن قوات كبيرة من الشرطة اقتحمت منزلهم يومها وشرعت باستجواب أفراد العائلة، كما تم اعتقال أشقائه وشقيقته ووالده والتحقيق معهم حول أكرم، مبينة بأن الذهول كان سيد الموقف.
وتضيف:" كان أكرم هادئ الطباع وكتوم لدرجة شديدة ولم نتخيل أن يكون عضواً في مثل هذه الخلايا المقاومة ولم نلاحظ عليه أي شيء، وحين تعرض منزلنا للاقتحام والتحطيم كان يخبرنا ضباط الشرطة بأن أكرم خطير على أمن الدولة ولم نفهم ما قالوه".
87 يوماً من التحقي قالعسكري القاسي في مركز تحقيق المسكوبية عاشها أكرم بطولها ومرارها وقسوتها، كان ممنوع من لقاء محاميه أو رؤية عائلته أو بقية الأسرى، معزولاً يتعرض لصنوف التعذيب في محاولة لانتزاع اعترافات منه.
أما العائلة فعاشت تلك الأيام كالدهر قلقة على حال نجلها وتشعر أنها بعيدة عنه للغاية، الكل يتساءل عنه وعن ما حل به والعائلة لا تملك حتى إجابة وتستعين بالله فقط من أجل أن تطمئن عليه.
وتبين الحاجة بأن الاحتلال حكم على نجلها بالسجن المؤبد مرتين ليأخذ هو الحكم الأعلى بين أعضاء الخلية المكونة من 11 مقاوماً، كلهم تحرروا من الأسر بعد انتهاء محكومياتهم وأحدهم تحرر في صفقة وفاء الأحرار، بينما بقي الأسير أكرم يكابد ظلم السجان.
أمل وحياة
يتجاوز الأسير أكرم الآن من عمره 44 عاما؛ حيث أمضى أكثر من نصف عمره مقيدا في سجون الاحتلال ولكن الصبر لم يفارق صفاته.
يتواجد الأسير الآن في سجن ريمون؛ لم يكسره القيد بل هو الذي حطمه بإرادته وعلمه، درس الشريعة في السجن وأكمل البكالوريوس في التاريخ والجغرافيا، ولم يتوقف عند هذا الحد بل يشرف على دراسة بقية الأسرى.
وتوضح الوالدة التي تحب أن تسمى بأم أكرم رغم أنه ليس الابن البكر لديها وترتيبه الثالث بين أشقائه؛ أن نجلها شارك في عدة معارك إضراب عن الطعام مع إخوانه الأسرى للمطالبة بحقوقهم، تتوجه لزيارته هي كل شهر مرة بل تنتظر زيارته بفارغ الصبر، ولكن والده غلبه الحزن على نجله فتوفي بعد اعتقاله بعشر سنوات.
تقول الأم:" حين أرى أكرم في الزيارات أشعر بالسعادة تغمرني، فهو مبتسم دائما ومفعم بالقوة والمعنويات العالية رغم أسره منذ سنوات طويلة، الأمل لدينا كبير بأن يفرج عنه في صفقات مشرفة للمقاومة، ومنذ العام الماضي حين خرجت أنباء عن احتمالية إبرام صفقة ونحن نشعر بالتفاؤل وتوكلنا على الله أولا ثم على رجال المقاومة".