ببصر ضعيف وبصيرة قوية عمادها الصبر والاحتساب، يروي الأسير باجس يونس عمرو (35 عاماً) من مدينة الخليل حكايتهُ مع الأسر وهو يدخل عامه السابع في سجون الاحتلال من أصل ثمانية أعوام الحكم الصادر بحقه في السادس والعشرين من مارس 2012م وذلك بتهمة مساعدة وإيواء الشهيدين نشأت الكرمي ومأمون النتشة .
اعتقال عمرو جاء بعد ساعات قليلة على الإفراج عنه من سجون السلطة بعد أن أمضى حكماً مدته عام ونصف تعرض خلالها لأبشع صور التعذيب متمثلاً في تكبيل يديه للخلف وتعليقه في سقف الزنزانة لمدةٍ كانت تصل ليلةٍ كاملة يطلع بجرها على باجس وهو فاقدٌ للوعي، الأمر الذي أفقده 60% من بصره وهو الذي يعاني أصلاً من مشاكل في عيونه قل تعذيبه لتصبح النسبة التي يرى فيها 20% فقط بحسب الأطباء .
رحلةُ طويلة عنوانها الألم
رحلة باجس مع التعذيب لم تتوقف عند ذلك الحد، فبعد ساعاتٍ قليلة من إنهائه مشورا طويل بالعذاب داخل سجون السلطة، بدأ مشوار أطول في زنازين الاحتلال، عزلٌ وممارسةٌ لأقصى أنواع التعذيب النفسي، الأمر الذي انعكس سلباً على حالته الصحية المتدهورة سيما بصره الضعيف الذي بات قاب قوسين أو أدني على فقدانه .
خرج عمرو من زنازين تحقيق عسقلان إلى سجن عوفر، ومكث فيه ما يقارب (30 شهراً) قدّم خلالها لعددٍ كبير من المحاكمات إلى أن صدر بحقه في الحادي عشر من مارس عام 2014 حكماً بالسجن 8 أعوام .
عسل بطعم المرارة
لم يكن وقع خبر الحكم سهلاً على زوجته التي عاشت معه 20 يوماً فقط .. شهرُ العسر كان التعذيب في زنازين السلطة عند باجس وألمُ ومعاناةُ البعد والفراق عند زوجه، إلا أن ذلك لم يكن سبباً في فراقهما بل داعماً قوياً واحتسابها وفي ذلك يقول عمرو " أشعر بالامتنان الكبير اتجاه زوجتي لأنه إذا كان صبري على نفسي شيء ملازم لي فإن صبرها على اعتقالي وبعدي كان باختيارها " .
ويضيف " عرضت عليها الانفصال بعد خروجي من زنازين التحقيق لأنني كنت متوقعاً حكماً عالياً إلا أن ردها كان مفاجئاً حيث قالت أنت تكلمني وكأن الخيارات عديدة أمامي وعليّ اختيرا واحد منها لكن أنا أقول أمامي خيارُ واحد لا ثاني له هو الصبر مهما كان حكمك وأنا مستعدةٌ للانتظار حتى آخر يوم في حياتي .
إبداعُ رغم الألم
وبالرغم من جوانب الألم الكثيرة في حكاية باجس إلا أن الجانب المشرق فيها كثير لا حصر له فهو خير مثال على من اقتدى بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في مسألة الوقت، حيث حصل على شهادتين بتقدير امتياز في دورتي الصحفي الشامل والناطق الإعلامي، وأجاد اللغة العبرية بطلاقة وحصل على شهادة الدبلوم في إدارة منظمات المجتمع المدني، وكرس وقته لتدريس إخوانه الأسرى اللغة الانجليزية فهو حاصلُ على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة الخليل قبل اعتقاله .
وينتظر باجس بزوغ فجر الحرية عليه منيراً بذلك عتمة الطريق الشاق الذي سلكه منذ سنوات عدة واضعاً بذلك ضريبة الثبات على دين الله وحب الوطن الذي انتمي إليه وناضل من أجله .