صباح اليوم، استيقظت أمٌ في قرية عراق بورين، قضاء مدينة نابلس على طقوسٍ أنستها أن هذا اليوم يوافق ذكرى عالمية تحتفل بها الأمهات في كل بقاع العالم، بالنسبة لها كان الأهم أن تصل سالمة إلى سجن النقب الصحراوي حيث سترى ابنها وطفلها صاحب السبعة عشر عاماً.
مكتب إعلام الأسرى تحدث مع والدة الأسير محمد فاتح قادوس (17عاماً) من نابلس، وهي في طريقها لزيارته إلى سجن النقب الصحراوي، لتصف مدى ألمها في هذا اليوم ومدى لهفتها لمقابلة ابنها حتى إن كان لقاءً من خلف شبابيكٍ سميكة وسماعة هاتفٍ تتعمد إدارة السجون التشويش عليها.
تقول أم مالك قادوس، لمكتب إعلام الأسرى، في يوم الأم العالمي"بالنسبة لي فإن محمد هو أجمل هدية، رؤيته سالماً أجمل ما يمكن أن يحدث معي اليوم، وأتخيل بأن دموعي اليوم ستسبق كلامي عند رؤيته من خلف الزجاج".
قبل أيام تحرر جاسر قادوس الابن الآخر لأم مالك ولكن فرحتها برؤيته بعد 25 شهراً، كانت منقوصة لأنه لا زال هناك قطعتين من قلبها داخل السجون، هما محمد الموقوف ومالك الذي يقضي حكماً بالسجن مدة 28 شهراً.
أم مالك لا تزال تتردد على محاكم الاحتلال وسجونه، ما بين زياراتٍ وجلساتٍ مؤجلة، تنتظر انتهاء قصتها مع السجون، فلدى ابنها الأصغر محكمة نهاية هذا الشهر، وتتخوف من حكمٍ مرتفعٍ بحقه.
اليوم وفي الوقت الذي كان يجب أن تحصل فيه أم مالك على وردة من ابنها، أصبح جل همها أن تطالب الجهات المختصة بأن تساعدها في إدخال ملابس وصورٍ لابنها مالك فقد منعت من هذا الحق في زيارتها الأخيرة.
تقول أم مالك"عيدي الحقيقي وفرحتي هي حين أراهم أحراراً الثلاثة معاً، حين أراهم إلى جانبي، وهو كذلك عيد أمهات الأسرى والأسيرات، ونأمل أن يكون ذلك قريباً".
على ذات موجة الألم، صباحاً انتظرت أم علي التهنئة الوحيدة التي لن تحصل عليها اليوم، والتي كانت تنتظرها بشغف في كل عام، فلها ابنةٌ شابة بعمر الرابعة والعشرين، في كل ذكرى يوم أم تتفوق على نفسها في الهدايا التي تدخل الفرحة إلى قلب أمها، التي لا تنتظر الهدية بقيمتها، وإنما بتعب ابنتها في تجهيزها واهتمامها وقلبها الذي تصفه بالكبير.
تقول والدة الأسيرة شاتيلا أبو عيادة (24عاماً)من الداخل المحتل، والتي تقضي حكماً بالسجن مدة 16عاماً"طقوس شاتيلا في هذا اليوم نادرة، وأشتاق إليها كثيراً، أتذكر أنها طرّزت لي ذات مرة مصحفاً كهدية، كما وطرّزت لي في مرة ثوباً فلسطينياً، وفي إحدى المرة أهدتني خاتم ذهب، وفي كل مرة كنت أجد نفسي مندهشة من قلبها الكبير وطريقتها في تحضير الهدية وقالب الحلوى، والاستعداد لهذا اليوم دون أن تشعرني بذلك".
حتى مدةٍ طويلةٍ في منزل شاتيلا أبقت الأم على طبخةٍ شبه مجهزة من الكوسا، الذي حفرته شاتيلا بيديها الناعمتين، تقول أمها"أتذكر ذلك اليوم جيداً كان سبق اعتقالها بمدة قصيرة جداً، لقد حفرت الكثير من الكوسا، ووضعته في الثلاجة للتخزين ليكون جاهزاً للطبخ، أتذكر كيف حفرتها بنعومة واحتراف، ولم نأكل منها شيئاً، لم نستطع".
حين تتحدث أم شاتيلا عنها، فهي لا تملك إلا أن تبكي بين كل كلمة وكلمة، ومن ثم تعود لتأخذ شهيقاً وزفيراً لتستطيع مواصلة الكلام، تتذكر كيف كانت ابنتها تحب الذهاب للمسجد الأقصى، وكيف أنهن ذات مرةٍ في السوق وجدن أنفسهن شاهدات على خلاف بين شخصين فدخلت شاتيلا لتصلح بينهما ومن خوف أمها الشديد عليها نهرتها وأخذتها للمنزل، تقول أم شاتيلا" حتى هذه الأمور الصغيرة وعنفوانيتها أفتقدها بشدة، أفتقد إيمانها الكبير بكل شيء، وأحلامها وطموحاتها، لقد قالت لي مرة أنها لن تكتفِ يوماً من الدرجات العلمية وستواصل الدراسة بعد كل درجة علمية".
بالنسبة لأم مالك وأم شاتيلا وأمهات ملايين الأسرى يحمل هذا اليوم مقدار ألمٍ كبير، ماذا سيقال لأم أسيرٍ يتواجد في السجون منذ 20 سنة، وآخر محكوماً بالمؤبد، وماذا سيقال أيضاً لأم أسيرٍ شهيدٍ لا زال محتجزاً داخل ثلاجات الاحتلال.