كان من الممكن أن تكون هذه هي السنة الدراسية الجامعية قبل الأخيرة للأسيرة أنسام عبد الناصر شواهنة (21عاماً) من بلدة اماتين، قضاء قلقيلية، في طريق سيرها لتحقيق حلم أن تصبح صحفيةً تخدم قضية بلادها والمعذبين فيها، لكن ذلك لم يحدث، بل أصبحت أنسام شواهنة نفسها قصة من قصص الوطن المدمية، والتي تقضي سنواتٍ ربيعية من حياتها خلف قضبان الأسر.
حين حصلت أنسام على معدل 97 بالمائة في الثانوية العامة في الفرع الأدبي، التحقت بجامعة النجاح الوطنية في نابلس، كانت تستعد للالتحاق بكلية الصحافة والإعلام، ستحقق أمنيتها بعد طول انتظار في أن تصبح مراسلة تلفزيونية، لكن الاعتقال وقف سداً أمام ما تخيلت من سيناريوهات.
يعرض مكتب إعلام الأسرى قصة الأسيرة شواهنة تزامناً مع دخولها قبل أيام عامها الثالث في الاعتقال، منذ تاريخ 9/3/2016، الشابة التي اعتقلت قرب مستوطنة كدوميم، خلال عودتها من الجامعة، بعد الاعتداء عليها بالضرب المبرح، ونقلها إلى التحقيق الذي استمر أسبوعين، رغم أنها كانت لا تزال تعاني من آثار الاعتداء عليها، وتخلل التحقيق شتمها وضربها وحرمانها من النوم لأكثر من 24 ساعة.
لأكثر من 30 مرة عُرضت أنسام على محكمة سالم العسكرية، حتى صدر بحقها في نهاية المطاف حكمٌ يقضي بالسجن الفعلي مدة خمس سنوات، إضافة إلى عامين مع وقف التنفيذ، وذلك بعد أن وجهت لها النيابة العسكرية للاحتلال تهمة الانتماء لتنظيم معادي والشروع في القتل العمد من خلال محاولة تنفيذ عملية الطعن، وبعد حرمانها من زيارة ذويها لأكثر من ثمانية أشهر، قبل أن يسمح لهم بزيارتها بعد ذلك.
والد الأسيرة شواهنة، عبد الناصر يصف أثر غيابها عن المنزل فيقول"غيابها عن المنزل لا يمكن وصفه، فهو وجعٌ دائم؛ لأنها صاحبة حضور مع أشقائها ومعنا نحن والديها، فهي حنونة عليهم وكانوا ينتظرونها كل مرة حتى تعود من الجامعة، والاحتلال فبرك تهمة لها بأنها تنتمي للكتلة الإسلامية في جامعة النجاح، وأنها كانت تنوي تنفيذ عملية طعن لأحد المستوطنين".
يضيف شواهنة"كانت متوقفة قرب المستوطنة على الطريق الواصل بين قلقيلية ونابلس لمواصلة مسيرها نحو المنزل، إلا أن سلطات الاحتلال دائماً تختلق الذرائع من أجل زج أبناء وبنات الشعب الفلسطيني داخل السجون".
يعتبر شواهنة الحكم الجائر الذي أصدرته محاكم الاحتلال بحق ابنته أنسام، حكماً رادعاً يحاول الاحتلال من خلاله الانتقام من النساء والفتيات الفلسطينيات كما حدث مع العشرات منهن منذ بدء انتفاضة القدس الحالية.
وعن طموحها الدراسي يقول والد الأسيرة أنسام شواهنة"ابنتي كان لديها حلم دراسة الصحافة، وأن تصبح مراسلة تلفزيونية، وسيتحقق بإذن الله، أنسام هي الابنة الوحيدة المدللة في عائلة تضم خمس شبان، وكانت تصنع الابتسامة والحياة في المنزل، ولم يكن سهلاً على العائلة أن تغيب عنا، الجميع الآن ينتظر زيارتها في السجن كلما سمح الاحتلال بذلك".
يضيف شواهنة"لن تستطيع إكمال تعليمها الجامعي داخل الأسر، ولكنها تستعيض عن ذلك بقراءة الكثير من الكتب، واجتازت العديد من الدورات التعليمية، وتعلمت اللغة العبرية، قراءة وكتابة داخل الأسر، ورغم حرمانها من حق إكمال تعليمها الجامعي إلا أننا نعلم أنها تسعى لاكتساب العلم بنفسها".
يفخر عبد الناصر شواهنة بابنته التي تم اختيارها لوضع أسئلة التوجيهي السنة الماضية للأسيرات نظراً لتفوقها، وهي تساعد في تدريس الأسيرات في القسم، وخاصة لمساعدتهن على اجتياز مرحلة الثانوية العامة، وقد حزنت زميلاتها الأسيرات كثيراً حين جرى نقلها من سجن هشارون إلى سجن الدامون في وقت سابق .
عائلة أنسام شواهنة يرون فيها الشخصية المحبوبة، فهي كانت تدرس القرآن في مسجد قريتها قبل اعتقالها، والآن تكمل تلك المهمة في داخل السجون حيث تستثمر الوقت بتدريس القرآن أو المواد الدراسية لطالبات الثانوية العامة الأسيرات، ورغم أنها ستغيب عن عائلتها خمس سنوات، إلا أن الأمل لدى عائلتها بالله وأن يكون فرجها وفرج باقي الأسيرات قريباً، لا زال موجوداً.