لأن الاعتقال سلب منه أفراحاً كثيرة، أراد المحرر فهد بني عودة، من سكان بلدة طمون، أن يبدأ حريته بمنازل الشهداء، ليكون سبباً في فرحة ذويهم، ولأنه يعلم ماذا يعني انتزاع الفرح قسراً.
كانت أول محطة يزورها المحرر بني عودة عند الإفراج عنه هي منزل عائلة الشهيدين أحمد جرار وأحمد إسماعيل، حيث اتجه موكبه إلى برقين، وقدم واجب التعزية للعائلتين باسم كل الأسرى الذين كان معهم، وكان المشهد عاطفياً ووطنياً بامتياز.
يوضح المحرر فهد بني عودة لمكتب إعلام الأسرى بأن الاحتلال يعاقب الفلسطيني بكل الإجراءات، ومنها الاعتقال وإصدار الأحكام الطويلة لقتل الروح والجسد معاً.
يقول المحرر بني عودة"عند اعتقالي اختار الاحتلال لحظة الاستعداد للزواج، وتم إخضاعي للتحقيق مدة تزيد عن ال60 يوماً في ظروف قاسية جداً، وعند صدور قرار المحكمة العسكرية قابلت الحكم بعدم اكتراث واهتمام، وشاهدت غضب قضاة المحكمة العسكرية، وممثل النيابة لعدم اكتراثي بالحكم الصادر، فأنا أتوقع من الاحتلال دائماً الأسوأ".
يضيف المحرر بني عودة" رغم كل هذا، فخلال فترة الأسر الطويلة حصلت على شهادة التوجيهي، واللقب الجامعي الأول من جامعة الأقصى في تخصص التاريخ، إضافة إلى اتقان اللغة العبرية، ومن خلالها كنت أخدم الأسرى في حوارات ساخنة مع قادة مصلحة السجون".
يسرد المحرر فهد بني عودة مشاهد العذاب في السجون قائلاً" تنقلت بين السجون عبر بوسطات العذاب، وشاهدت عذاب الحرائر من الأسيرات والأطفال الأسرى والمرضى الأسرى، وشاهدت عقوبات العزل الانفرادي والغرامات المالية والحرمان من الزيارة.
عانى بني عودة من ألم وفاة والده وهو في الأسر، ومن مشاهد الاقتحامات والتفتيش المذل من قبل قوات القمع، وغيرها من المواقف التي يمكن تصنيفها كجرائم حرب بامتياز، تمارسها مصلحة السجون بحق أسرى أصحاب قضية سياسية، لهم حقوق كفلتها الاتفاقيات الدولية، منها اتفاقية جنيف الرابعة.
فرحة الحرية
يتحدث المحرر بني عودة عن لحظة الإفراج وسياسة الانتقام فيقول"عندما أبلغتني مصلحة السجون بموعد الإفراج، قمت بتوديع زملائي الذين احتفلوا بلحظة الإفراج عني، وبعد انتهاء الحفلة المتواضعة فوجئت بإجراءات عقابية من قبل مصلحة السجون من خلال سحبي بقوة إلى الزنزانة حتى الساعة السادسة مساء".
يضيف بني عودة"جاءني مدير السجن مهدداً متوعداً بعدم الإفراج عني، عندها كان ردي الفوري له بأن من حقي أن يحتفل زملائي الأسرى بي بعد هذه المدة، ورد مدير السجن بعنصرية وعنجهية يجب أن يبكوا بدلاً أن يفرحوا، فرددت عليه أمثالك الذين يبكون، نحن نفرح في كل محطات العذاب سواء الاعتقال أو الاستشهاد"
عقاباً لبني عودة على جرأته تم تأخير الإفراج عنه، كما وتمت معاملته بقسوة على يد السجانين والمرافقين له.
مشهد العزاء
يؤكد المحرر فهد بني عودة على أنه آثر التوجه إلى منزل عائلة جرار للتعزية بالشهيدين الأحمدين أحمد نصر واحمد إسماعيل، وللتأكيد على أن الأسرى لديهم الوفاء للشهداء وعائلاتهم، وهم مع عائلات الأسرى يدفعون فاتورة باهظة، فالشهداء قدموا الدماء، والأسرى يقدمون فاتورة العمر كذلك خلف القضبان.
وعن أكثر المحطات وجعاً يقول المحرر فهد بني عودة"وفاة والدي المريض وعدم قدرته على زيارتي كانت بالنسبة لي وجعاً لا يوصف، حيث أن مصلحة السجون فرضت عليَ عقوبة الحرمان، ومنعت من دخول سجون مثل النقب ومجدو وتحررت من سجن جلبوع، وهذا هو حال الأسرى، أن يفارقوا الأحبة وهم داخل الأسر".
وزير الأسرى السابق المهندس وصفي قبها والذي كان متواجداً عند زيارة المحرر فهد لمنزل عائلة الشهيد أحمد جرار وأحمد اسماعيل قال" رافقت الأسير المحرر فهد بني عودة في أقسام السجون وكان من الأسرى المميزين في عطائهم وتضحيتهم ورسالته وحدوية بينهم، وقد أمضى شبابه يجوب السجون غير آبهٍ بكل إجراءات السجون، فهو الذي ترك عروسه قبل شهر من زواجه؛ ليقضي 15 عاماً في مدافن الأحياء.
المحرر محمد نزال رافق الأسير في رحلة الأسر في السنوات السابقة وتحدث لمكتب إعلام الأسرى عن معنويات ورباطة جأش المحرر فهد بني عودة، فقال"التقيت الأسير فهد في سجن النقب الصحراوي قبل أن ينقل منه ويحرم من دخوله مرة ثانية وعندما تحدث عن قصته كان وقع القصة محزناً وقاسياً، فالاحتلال اختار اعتقاله وهو يستعد للزواج، وأصدر بحقه حكماً قاسياً مدته 15 عاماً".
المحرر بني عودة اعتقل في 20 شباط عام 2003، وصدر بحقه حكمٌ يقضي بالسجن 15 عاماً؛ بتهمة مقاومة الاحتلال والانتماء إلى حركة حماس؛ وقد قضاها كاملة متنقلاً بين مختلف السجون.