كانت الاعتقالات تجتاح سكون عائلة حماد منذ سنوات طويلة، فمنزلها الوادع في بلدة سلواد شرق مدينة رام الله تعرض لاقتحامات تقّدر بعشرات المرات من قبل قوات الاحتلال والجنود المدججين بالأسلحة.
وفي تلك البلدة ذات التاريخ المقاوم برز اسم الشيخ بسام حماد إماما لأحد مساجدها، يعرفه الأهالي بأخلاقه العالية وتلاوته الجميلة وأذانه الذي يبعث السكينة في قلوب المواطنين، ولكن الاحتلال كان يرى فيه هدفا متكررا للاعتقالات الإدارية.
في شهر ديسمبر من عام 2015 اقتحم شاب بمركبته جمعاً من الجنود عقب صلاة الجمعة على المدخل الغربي لسلواد، خرجت أصواتهم وصرخاتهم وملأت المكان حتى سمعها سكان المنازل المجاورة، لم يعلم أحد ماذا حدث بعد أن دوّت طلقات نارية أفزعت طيور سلواد.
كانت العائلة تستعد لتناول طعام الغداء في جمعة مباركة، عاد الوالد إلى المنزل مسبّحا مستغفراً ظانا أن نجله أنس سبقه إليه، استغرب عدم وجوده وسأل والدته مستفسراً، كان قلبها يُشعرها بشيء ما ولكنها ظنت أنها مجرد متابعة مفرطة لسيل الشهداء.
امتلأت وسائل الإعلام بأخبار عن عملية دهس نفذها شاب فلسطيني من سلواد على مدخل بلدته، ثم بدأت الصور تتوالى من مكان العملية، لم يصدق أبو أنس أنها مركبة ابنه وأن هذا الجسد المسجى على مقعد المركبة الأمامي هو نجله البكر الذي ربّاه في شغاف القلب، عدة رصاصات اقتحمت جسده النحيل الطويل وأفاضت روحه إلى خالقها بعد أن بقي ينزف لساعات.
تقول والدة الشهيد أنس حماد لـ مكتب إعلام الأسرى إن تلك اللحظات لا تُنسى، وأن استشهاد أنس كان صدمة للعائلة لم تستفق منها إلا بعد حين، فهو الابن البكر وهو سند العائلة وهو الروح المرحة الطيبة في المنزل.
احتجز الاحتلال جثمان أنس وخلال ذلك اعتقل والده بعد أسابيع فقط من استشهاده، الشيخ بسام حماد اعتُقل ليبدأ حكاية مع الزنازين من جديد، ثم اعتُقل شقيق الشهيد في محاولة لمعاقبة العائلة التي تحنّ لنجلها كل لحظة.
وتضيف أم أنس:" اعتقلوا زوجي وأنا أعتصر ألما على ابني، شعرت أنني فقدت الدفء من حياتي مرة واحدة، ابني شهيد وزوجي وابني الآخر أسيران، شعرت أن الدمع تجمّد في مقلتيّ فأنا لم أعتد هذا الغياب".
وتشير الزوجة إلى أن الاحتلال كان اعتقل زوجها قبل استشهاد نجله أكثر من خمس مرات جلّها في الاعتقال الإداري، ولكن المرة الأكثر تاثيرا كانت تلك التي اعتقلوه فيها بعد استشهاد أنس.
خلال اعتقال الشيخ بسام تم تسليم جثمان نجله إلى عائلته لتودعه إلى مثواه الأخير دون حضور والده، كان في سجنه يتحرق شوقاً لاحتضان أخير وقبلة على جبين أنس الشهيد البطل، ولكن الاحتلال تعمد تفويتها عليه.
بعد عدة أشهر تم الإفراج عن الشيخ، ليذهب قبل منزله إلى قبر ولده ويقبّل الحجارة ويرويها دموعاً كانت يتيمة في أسره، عاد إلى منزله وإلى غرفة ابنه تفحصها جيدا واشتم عبقها وأغلق بابها، وفي كل مرة الحمد لله كانت على لسانه.
بقي الابن عبد الرحيم في السجن يجدد له الاعتقال الإداري، وفي إحدى المرات عام 2017 قام الجنود باقتحام منزل الشيخ بسام واستجوابه وسرقة مبلغ مالي منه هو مصروف لعائلته ومصادرة حافلة صغيرة يعمل فيها ناقلاً لطلبة رياض الأطفال.
تقول أم أنس" مر ذلك اليوم على خير رغم أنهم سرقوا الحافلة والنقود داخلها، ولكن بعد أشهر قليلة أسرت قلوبنا من جديد".
كانت تقوى الابنة الكبرى للشيخ بسام تحب مراجعة دروسها خارج المنزل والتجول في الجبال القريبة منه، وبينما هي كذلك أطلق الجنود النار صوبها واعتقلوها، لتضاف مأساة جديدة إلى قاموس العائلة، بقيت تقوى قرابة الأسبوعين في معتقلات الاحتلال ثم تم الإفراج عنها وعانت من إصابتها في الساق لفترة طويلة.
ولكن خلال اعتقالها وفي شهر أيار من عام 2017 تم اعتقال الشيخ بسام مجددا من منزله، كانت العائلة تظن أن اعتقاله مؤقت بسبب موضوع ابنته ولكن تم تحويله للاعتقال الإداري من جديد، وما زال يقبع فيه إلى الآن، حيث تم تجديده له مؤخراً للمرة الرابعة على التوالي لمدة أربعة أشهر .