في طريق عودتها من رحلةٍ شاقة من الترقب والتفكير وتحضير الأخبار المفرحة وكلمات الاشتياق، سرحت الشابة مريم أمجد عليوي (22عاماً) في خط سيرٍ سيعيدها إلى مدينة نابلس، حاول قلبها أن يحصي المسافة التي يطويها الطريق بينها وبين والدها فلم يستطع، ودارت نفسها بأن أشقائها تمكنوا من المرور وسينقلوا لها الصورة، سيوصيهم والدها أن يحملوا لها رسائل المحبة والاشتياق والإيمان بأن الفرج لابد قريب.
ابنة الأسير المؤبد أمجد عليوي (48عاماً) من سكان مدينة نابلس، تروي قصة حرمانها من رؤية والدها أكثر من مرة وتنغيص فرحتها بإحدى الزيارات، وأعطت نبذةً مختصرة عن طقوس التحضير لزيارة الأسير، ومدى لهفة العائلة وفرحتها.
تقول مريم عليوي"استقيظنا قبل آذان الفجر، جهزنا كافة أمورنا وما سنأخذ معنا من أغراض السفر، تفقدنا الهويات الشخصية، التصاريح، وتماماً بعد صلاة الفجر انطلقنا صوب الباصات، سجلنا أسماءنا وركبنا الباص ومررنا عبر معبر الطيبة، وتم إدخالنا للتفتيش لاحقاً وتم تفقد التصاريح للتأكد من أن أسماءنا مدرجة ضمن الأهالي المسموح لهم بالزيارة أم لا".
بشوقٍ كبير قدمت مريم عليوي تصريحها ليتم تبليغها بأنها مرفوضة أمنياً، ليسمح لأشقائها بالدخول في حين تستقل هي سيارة وتعود إلى منزلها دون أن تحقق حلمها في رؤية والدها، وقد مضى وقتٌ طويل منذ رأته.
ثلاثة من أبناء الأسير عليوي تمكنوا من زيارته، وتساءل عن ابنته مريم في الزيارة وعن سبب عدم مجيئها ليتم إخباره بأنها عادت ومنعت أمنياً، تضيف مريم عليوي" حين تم إبلاغي بأني ممنوعة أمنياً نقلت كفالة اخوتي الصغار إلى اسم أختي الكبيرة ليتمكنوا هم من زيارة والدي والعبور، كونهم أطفال لا يحملون هويات شخصية وتم الأمر على خير".
يؤلم مريم عليوي أن هذه ليست المرة الأولى التي تم رفضها فيها فقد منعت من الزيارة سابقاً ثلاث مرات بحجة المنع الأمني ولم يكن يتم إصدار تصريح لها، حتى أنها تذكر زيارتها لوالدها ذات مرة وكيف جاء السجان وسرقه من أمامها وتم إخبارها بأنه معاقب ومحروم من الزيارة ولم تتمكن من إكمال حديثها معه.
برفقة أربعة شقيقاتٍ وشقيقين تنتظر مريم الزيارة بلهفة، وقد توقعت أن والدها سيضع في ذهنه أنها لن تتمكن هذه المرة من المجيء، لأنها لم تزره سابقاً سوى مرة ومن ثم تم رفضها مراراً وتكراراً.
مريم عليوي تحب والدها حباً كبيراً أكثر من حب الجميع له كما تصف، وتتذكر كيف مرت على بيتهم أفراحٌ كثيرة لم يكن والدها حاضراً فيها، نجاح شقيقتها في امتحان الثانوية العامة، خطبة شقيقتها، وأمورٌ كثيرة.
ذكريات هدم منزلهم القديم لا تزال تأن في مخيلتها، حين اتهم الاحتلال الأسير المؤبد أمجد عليوي بالانخراط بالعمل مع خلية ايتمار التي نفذت عملية أدت إلى مقتل مستوطن وزوجته آنذاك.
تقول عليوي"حين كان أبي موجوداً لم نحتج يوماً شيئاً ما، بقينا سنة كاملة تحت ضغط التهديد بهدم المنزل والتشتت، لم يكن الأمر سهلاً البتة، الأصعب كان أن يفقد المرء ذكريته بين الحطام، في بيتٍ عشنا فيه مع والدي وسكنته الأحداث، لكن ذلك غير مهم ما دمنا جميعاً بخير وبصحة".
مريم ومرام وآية وشيماء وتسنيم ونور الدين ومحمد، سبعة أشقاءٍ ينتظرون عودة والدهم بلهفة، إلى ذلك الوقت تتساءل مريم حتى متى سيستمر الرفض الأمني بحقها ومتى ستكون قادرة على رؤية والدها وإخباره بكل ما هو مفرح منذ غيابه، وقد مرت أكثر من سنتن على آخر اجتماعٍ عائلي لهم في منزلٍ لم يعد موجوداً.