يَعدُّ ساعات اليوم المتبقي، فهو لم يستيقظ ذات صباحٍ ويتفاجئ بأنه قد نسي خلال أسبوعٍ أن يحسب كم بقي له من الأيام، ستوقظه من تفكيره، ذكريات الأسر، حين كانت ذات يومٍ أصوات خطوات السجان تقترب، حين تفاجئ بأضواءٍ مسلطة على الجدار حيث ينظر صوب صورة طفلته، اتضحت الأضواء شيئاً فشيئاً، سيغدو اقتحاماً وستنزله يدٌ ما قسراً عن سريره وترطم الأرض به انتقاماً، سيستمر الاقتحام لساعتين وربما ثلاثة، سيُرش بالغاز.
سيتذكر كيف أصبحت كل أغراضهم المتواضعة على الأرض، كل مكونات غرفتهم خلطت بعضها ببعض، كما لو أن إعصاراً ترك الكرة الأرضية كلها ودخل زنزانتهم، سينظر اتجاه الجدار، صورة ابنته مُزقت نصفين، نصفٌ لا يزال ثابتاً على الجدار، ونصفٌ آخر اختفى تماماً، سيلمس النصف المتبقي، لا تزال عينٌ من عيني طفلته موجودة، تحدق صوبه، تسأله أن يعود.
منذ أكثر من شهر تناضل زوجة الأسير عباس عبد الله شبانة (45عاماً) من مدينة الخليل، لأجل إطلاق سراحه، فقد انتهى حكمه الفعلي ورغم ذلك أبقى الاحتلال على اعتقاله.
تماماً قبل قرابة الشهر أكدت زوجة الأسير عباس شبانة، سحر قواسمي، بأنها لا تزال تستأنف في قضية زوجها، ولا زالت النيابة رغم انتهاء مدة حكمه ترفض الإفراج عنه، سحر لم تستسلم وأعادت رفع قضيةٍ للمطالبة بالإفراج عن زوجها وانتصرت، وعقب أيام صدر قرار بالإفراج عنه بتاريخ 24/8/2017، عقب 3 سنوات و3 شهور لحقت ب20 سنة.
بداية 20 عام
تصف زوجة الأسير عباس شبانة كيف أنه وعقب قضاء زوجها، مدة 20 عاماً داخل الأسر، نال حريته في صفقة وفاء الأحرار، وتمكن من تكوين حياةٍ طبيعية والارتباط بها، ورزقا بطفلتهم الصغيرة سدرة.
تستذكر سحر قواسمي أيضاً، سلسلة من التواريخ المصيرة التي اشتملت حياتها عليها، فبتاريخ 18/6/2014، أعاد الاحتلال اعتقال الأسير عباس شبانة، عقب حادثة خطف المستوطنين الثلاثة في مدينة الخليل، رغم أن زوجته أكدت أن العائلة كانت لا تزال تنتظر منذ ثلاث أعوام، فرصةً للتخلص من المنع الذي يحرم زوجها من الخروج من مدينته الخليل، والتنقل أينما أراد بحرية، حتى يتاح لعائلةٍ أن تسافر وتذهب للاستجام في مكانٍ خارج المدينة.
كانت سدرة تتحضر لتحقيق وعد والدها لها باصطحابها في رحلةٍ رفقة والدتها إلى البحر الميت، وكانت العائلة بصدد تجهيز بيت متكامل بحديقةٍ وشرفةٍ منزليةٍ، وتلقت سدرة وعداً بالحصول على غرفةٍ خاصةٍ بها، كان الأسير عباس شبانة وزوجته، ينتظران قدوم طفلهما الأسير عبد الله، إلى الحياة، سيذبحان لأجله عقيقةً أمام المنزل، منزل أحلامهما.
لكن، أُجلت هذه الأحلام ظلماً، مدة ثلاث سنوات أخرى وثلاث شهور، مدةٌ رغم قصرها في مقياس المؤبدات والأحكام العالية، إلا أنها كانت كفيلة لتمر العائلة بكل التجارب التي من الممكن أن يمر بها الأسر.
زوجة الأسير عباس شبانة أكدت أن العائلة عايشت أخبار إضراب الكرامة الذي خاضه الأسرى بتاريخ 17/4/2017، ومرت أيامٌ طويلةٌ قبل أن تعرف في أي سجنٍ يمكث زوجها، وهو الذي دخل رفقة عددٍ من الأسرى القادة كمساندين للإضراب.
كذلك، قبل أيام قليلة، غادرت سحر القواسمي رفقة طفليها عبد الله وسدرة ساحة الاعتصام في رام الله، فقد وجدت نفسها في بداية شهر يونيو من هذا العام، أمام امتحانٍ جديد، فمصدر دخلهم الوحيد تم قطعه وكان على سحر أن تبحث عن حلولٍ أخرى.
لزمت سحر مراكز الاعتصام؛ احتجاجاً على قطع رواتب الأسرى والمحررين، حاربت لأجل حقوق أطفالها، وهي التي لم يتح لها أن تشهد فرحة عيد الفطر في بيتها، فلم تتمكن من التكفل بالمصاريف، وكان على سدرة وعبد الله أن ينتظرا وعد والدهما حول الهدايا التي ستصل إليهما.
رغم ذلك تبدو سحر القواسمي ممتنة للفرحة القريبة، لفرحة حرية زوجها، واصفةً السنوات، برحلة الأجر المستحقة، فسيتاح للأسير عباس شبانة أن يرى طفليه سدرة وعبد الله.
سيتمكن من احتضانهما والتقاط الصور معهما، وتنفيذ كامل وعوده، سيتاح لأسيرٍ أن يزيح صورة طفلته التي تمزقت لحظة اقتحام الجنود لغرفته من مخيلته، وسيتاح له أيضاً رؤية شقيقه الذي حرمه الاحتلال من فرحة رؤيته، فعقب حريته الأولى كان شقيقه لا يزال يتلقى تعليمه في الخارج، وحين عاد إلى وطنه، وجد الاحتلال وقد أعاد اعتقال شقيقه مرة أخرى، ليحرم من رؤيته مدة 19 عاماً.