الشيخ جمال أبو الهيجا.. من زنازين الأسر إلى نزوح العائلة واعتقال الأبناء
تقرير / مكتب إعلام الأسرى

في سجن نفحة، حيث زيارات المحامين في غاية الصعوبة، تغيب أخبار عددٍ كبيرٍ من الأسرى الفلسطينيين منذ انقطاع حقّ الزيارة، ويصبح السجن بأكمله معزولًا عن العالم الخارجي، إلّا من أسرى محرّرين وأخبارٍ شحيحة تصل عن طريقهم.

في هذا السجن يمضي الأسير القائد الشيخ جمال عبد السلام أبو الهيجا (66 عامًا) من سكان مخيم جنين المكلوم، سنةً جديدةً من عمره الاعتقالي، حيث دخل عامه الرابع والعشرين في سجون الاحتلال. سرق الاحتلال حقَّ الحياة الحرّة منه ومن عائلته ومن أبنائه وأحفاده، ومن زوجته التي ضحّت وصبرت ثم رحلت دون أن تبصر نور حريته.

تحدّث مكتب إعلام الأسرى إلى عائلة الأسير جمال عبد السلام أبو الهيجا للوقوف على آخر أخباره في سجون الاحتلال، وما تعرفه العائلة عن وضعه الصحي، وللحديث أيضًا عن انتهاكات الاحتلال المستمرة بحق أبنائه الذين لا يزالون معتقلين، وبحق ابنته المحامية بنان أبو الهيجا.

ويأتي الحديث عن الشيخ جمال أبو الهيجا ضمن سلسلة تتناول أوضاع الأسرى أصحاب الأحكام المؤبدة، والملفات الصحية المستعجلة، وظروف الاعتقال السيئة التي تصاعدت سوءًا منذ حرب السابع من أكتوبر.

اعتُقل الأسير جمال أبو الهيجا بتاريخ 28/8/2002، ولا يزال أسيرًا حتى اليوم. ولم يكن هذا الاعتقال الأول له؛ فقد اعتقله الاحتلال عام 1992 وأفرج عنه بعد 18 يومًا من التحقيق، ثم أعيد اعتقاله عام 1993 وأُفرج عنه بعد نحو أربعة أشهر، واعتُقل مرةً ثالثة عام 1995 لمدةٍ مماثلة، ثم في عام 1998 وأُفرج عنه بعد 16 شهرًا من الاعتقال. واليوم يخوض اعتقالًا مؤبدًا تسع مرات، إضافةً إلى 20 عامًا أخرى.

تؤكد عائلة الأسير جمال أبو الهيجا أنه يعاني من آثار إصاباتٍ سابقة، فقد حاول الاحتلال اغتياله مراتٍ عدّة، وبُترت يده اليسرى نتيجة لذلك، ولا يزال يعاني من آثار تلك الإصابات حتى اليوم. كما يعاني من ضعفٍ في النظر، وأُصيب خلال فترة اعتقاله بمرضٍ جلدي (السكابيوس) أكثر من مرة.

ولا تعلم العائلة جديد معاناته أو ملفّه الصحي، نظرًا لشحّ زيارات المحامين إلى سجن نفحة، الذي يُعدّ – إلى جانب سجن ريمون – من أكثر السجون صعوبةً في الزيارات. وقد حاولت ابنته حجز زيارة منذ أشهر، ولم تتح للعائلة معرفة أخباره، في الوقت الذي يخوض فيه أبناؤه عماد وعبد السلام وعاصم، وابنته بنان، اعتقالاتٍ متزامنة تنقطع فيها أخبارهم إلّا عبر أسرى محررين.

تتمثل خصوصية عائلة الأسير جمال أبو الهيجا في حجم العطاء الذي لم ينقطع حتى اليوم، والذي قدّمته العائلة فداءً لوطنها النازف. فالشيخ جمال أبو الهيجا تعرفه سجون الاحتلال جميعها؛ من إيشل وجلبوع إلى ريمون وعسقلان ثم نفحة.

يخوض اعتقالًا بالمؤبد، إذ يتهمه الاحتلال بالوقوف خلف عدة عمليات نضالية، ويرفض إدراج اسمه في صفقات تبادل الأسرى التي تنجزها المقاومة.

منذ أكثر من ثلاث سنوات، لا يزال نجله عبد السلام جمال أبو الهيجا (42 عامًا) معتقلًا، يقاسي الاعتقال الإداري بلا تهمةٍ ولا سقفٍ زمني، بعد أن اعتقله الاحتلال بتاريخ 10/8/2022.

تحرم عائلته من حقّ عيش حياةٍ مستقرةٍ معه، وتعاني زوجته وأبناؤه من آلام النزوح من مخيم جنين. وبحسب العائلة، يتواجد الأسير عبد السلام حاليًا في سجن النقب، وتتخوف من إصابته بالأمراض التي انتشرت هناك، في ظلّ سياسة تجويع الأسرى وتفشي الأمراض الجلدية الناتجة عن سوء التغذية وانعدام العناصر الأساسية في طعام السجون منذ سنوات.

تصل العائلة أخبارًا قليلةً عنه، يطمئنهم فيها بأنه بخير، إذ لا تتوفر زيارات منتظمة، وتعرف العائلة أخباره فقط حين يتصل بها أسير محرر خرج من قسمه ذاته.

الأسير عبد السلام أبو الهيجا تعرّض لاعتقالاتٍ سابقة، فقد اعتُقل سبع سنواتٍ متواصلة حين كان في السابعة عشرة من عمره فقط، وتعرّض لاعتقالاتٍ أخرى متقطعة استمرت نحو ثلاث سنواتٍ ونصف. لكنّ اعتقاله الحالي يعدّ من أثقل الاعتقالات، في وقتٍ تنقطع فيه زيارات الأهالي عن الأسرى، ويعيشون عزلةً تامةً عن أخبار العالم الخارجي.

إلى جانب عبد السلام، يعتقل الاحتلال أيضًا عاصم جمال أبو الهيجا (39 عامًا) في سجن ريمون، وهو يخضع للاعتقال الإداري بلا تهمة، رغم رفض محاكم الاستئناف التي قدّمتها العائلة ومحاميه. اعتُقل عاصم بتاريخ 19/6/2023، ومنذ أكثر من عامين يعاني من تجديد أوامر الاعتقال الإداري بحقه، دون أي سقفٍ يطمئن العائلة بقرب حريته.

اعتُقل سابقًا لقرابة ثلاث سنوات، وتمكن مرةً واحدة من لقاء والده بعد حرمانٍ دام 13 عامًا، ضمن سياسة الاحتلال في حرمان الشيخ جمال أبو الهيجا من الزيارة آنذاك. واليوم، لا تعلم العائلة عن عاصم سوى أنه يعاني من جفافٍ في عينه وفق آخر ما وصلهم.

أما عماد، فهو معتقلٌ لدى السلطة الفلسطينية في سجن الجنيد، ويعاني من آلامٍ في ظهره وفكه، بعد أن أعيد اعتقاله عقب تحرره من سجون الاحتلال بأربعة أشهر فقط. ولا يزال معتقلًا منذ تسعة أشهر، وقد أنجبت زوجته ابنةً لم يرها حتى اليوم.

لم تتوقف الاعتقالات عند الأبناء، فقد اعتقل الاحتلال زوجة الأسير وابنته بنان أيضًا. ففي عام 2003، اعتُقلت زوجته تسعة أشهر في الاعتقال الإداري، واعتُقلت بنان عام 2007 وأمضت شهرًا في التحقيق.

تزامن اعتقال بنان الحالي مع مرض والدتها، إذ كانت ترافقها في مشفى رام الله حيث كانت تعاني من وضعٍ صحيٍّ صعب. وبسبب مرض ابنتها عادت بنان إلى طولكرم لتفقدها، فاعتقلها الاحتلال على حاجز عطارة قرب طولكرم بتاريخ 7/5/2025. وبعد أيامٍ قليلة توفيت والدتها، ولم تتح لبنان – كما والدها وإخوتها – فرصة وداعها. ولاحقًا صدر بحقها قرار اعتقال إداري مرتين مدة كلٍّ منهما أربعة أشهر.

لا يعلم أحد حجم الألم والصبر الذي يعتري قلب الشيخ جمال أبو الهيجا بعد وفاة زوجته، ولا حجم الوجع الذي تعيشه ابنته بنان في سجن الدامون وهي أمٌّ لأربعة أطفالٍ تتركهم خلفها تصارع مخاوفها اليومية: ماذا يأكلون؟ كيف يعيشون؟ وأيّ وجعٍ تواجه حين تفاضل بين أمومتها وكرامتها الوطنية؟

الأسير الشيخ جمال أبو الهيجا إنسانٌ مثقفٌ وصاحب فكرٍ حرّ، حاصل على شهادتي البكالوريوس في اللغة العربية والتاريخ، وعلى دبلوم في اللغة العربية. فقد نجله حمزة شهيدًا عام 2014، وتوفي والده وشقيقته وشقيقه خلال اعتقاله، وحُرم من وداعهم جميعًا.

وهو أحد قادة حركة حماس، شارك في الانتفاضتين الأولى والثانية، وكان له دورٌ بارز في عدة عملياتٍ نضاليةٍ أوقعت قتلى في صفوف الاحتلال، منها عملية مطعم سبارو وعملية نهاريا عام 2001، واتهمه الاحتلال بالضلوع في عملياتٍ أخرى، ورفض إدراجه في صفقات التبادل.

في آذار/مارس 2002، تعرّض لمحاولة اغتيال، أُصيب خلالها بشظايا ورصاصةٍ متفجرةٍ أدت إلى بتر يده اليسرى، كما أصيب بشظايا في أنحاء جسده، وظلّ مطاردًا حتى اعتقاله في آب/أغسطس من العام نفسه، حيث تعرّض لتحقيقٍ وتعذيبٍ قاسٍ استمر لأشهر، ثم قضى نحو عشر سنواتٍ في العزل الانفرادي.

الأسير الشيخ جمال أبو الهيجا موسوعة نضالية لم تنل حقها من الإنصاف أو الحياة المطمئنة.

اختطف الاحتلال من عمره وأعمار أبنائه الكثير، وأُصيبت زوجته بمرض السرطان دون أن يتمكن من الوقوف إلى جانبها أو وداعها.

تعرّض أبناؤه للاعتقال مرارًا، وقدّمت عائلته نصيبها الكبير من التضحية في سبيل كرامة الوطن وأبنائه.

ولا تزال دائرة الاعتقال تحاصره وتحاصر منزله، بينما يلتهم الاعتقال الإداري أعمار أبنائه وبناته، ويظلّ هو صامدًا، ثابتًا، يواجه عواصف الحياة بصلابةٍ لم تنكسر منذ ربع قرن.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020