في مساء ثقيل، عاد محمود الورديان إلى مدينته بيت لحم، لكن ليس كما اعتاد الناس استقبال المحررين بفرح وأهازيج، لقد عاد على سرير المرض محمولا بين أجهزة التنفس وأنابيب المصل. جسده الذي أنهكته سنوات العمر واعتقالات متلاحقة، خرج من بوابة السجن هذه المرة محاطا بظل الموت بعدما حولته سجون الاحتلال إلى ممر إجباري بين الحياة والغياب.
من الاعتقال إلى العناية المكثفة
الأسير المحرر محمود حسن الورديان (48 عاما)، اعتقل في 18 آب/ أغسطس 2025 ضمن حملة إسرائيلية استهدفت عددا من الأسرى المحررين في بيت لحم. خلال فترة اعتقاله القصيرة نسبيا، خضع لتحقيق قاس واعتداءات متكررة، انتهت بإصابته باختناق ونقص حاد في الأكسجين الدماغي، أدخل إثره في غيبوبة، فضلا عن كسور في الأضلاع، والتهابات رئوية، وتجرثم في الدم.
أمام هذا التدهور اضطرت سلطات الاحتلال لنقله إلى مستشفى "هداسا" بالقدس، حيث ظل موصولا بأجهزة التنفس الصناعي في وضع صحي وصفه الأطباء بالحرج للغاية. وفي مساء الخميس 11 سبتمبر/ أيلول 2025، وبعد أن أدركت إدارة السجون أن حياته على المحك، أفرجت عنه وهو بين الموت والحياة ليستقبله الهلال الأحمر الفلسطيني وينقله مباشرة إلى مستشفى الجمعية العربية في بيت جالا لمتابعة علاجه.
الاحتلال والجرائم المتكررة
ما تعرض له الورديان حلقة في سلسلة طويلة من الجرائم التي يمارسها الاحتلال بحق الأسرى عبر التعذيب الممنهج والإهمال الطبي الذي يدفع مئات الأسرى إلى مواجهة مصير مشابه.
فالورديان اليوم هو شاهد حي على هذه السياسة التي لا تتوقف عند حدود الاعتقال، وتتعمد تحويل الجسد الأسير إلى ساحة اختبار للألم والانتهاك.
مكتب إعلام الأسرى حمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن الجريمة، داعيا المؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية إلى التدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات.
كما ناشد أبناء الشعب الفلسطيني الوقوف إلى جانب الورديان وعائلته في هذه المحنة التي تكشف هشاشة الجسد أمام قسوة السجان لكنها في الوقت ذاته تعكس قوة الإرادة التي لا تهزمها القيود.
الورديان اليوم بين أجنحة المستشفى، جسده مثقل بالجراح، وروحه مشدودة بين الحياة والرحيل.
لكنه رغم الألم خرج من السجن حرا، تاركا وراءه شهادة دامغة على ما يفعله الاحتلال بأجساد الأسرى وأعمارهم.
إن قصته عبارة عن جرس إنذار جديد يقرع في وجه العالم: أنقذوا الأسرى قبل أن تتحول حكاياتهم جميعا إلى مآتم مؤجلة.