في السابع من أيار كانت بنان أبو الهيجاء تمسك يد والدتها المريضة، تسابق بها الزمن إلى علاج أو شفاء، لم تكن تعلم أن الحاجز الإسرائيلي على مدخل جنين سيغلق عليهما الطريق، لا إلى المستشفى فحسب، بل إلى وداع أخير لم يكتب له أن يكون.
اعتقلوها هناك كما لو أن المرض تهمة، وكما لو أن ابنة الأسير القائد جمال أبو الهيجاء تولد مذنبة في نظرهم، لأنها حملت اسما ثقيلا بالتاريخ، محمّلا بالتضحيات.
بعد أيام رحلت الأم أسماء أبو الهيجاء دون أن تتمكن بنان من أن تنظر في عينيها للمرة الأخيرة، أو أن تضع قبلة الوداع على جبينها البارد.
وجدت نفسها معتقلة في زنزانة باردة يحاكمها الاحتلال بصمت. أربعة أشهر من الاعتقال الإداري دون تهمة، بلا لائحة اتهام، بلا محكمة تحترم حتى صوريا ما يسمونه قانونا . فقط قرار، وورقة، وملف سري يغلق الحياة في وجهها.
بنان ليست غريبة على هذا الألم، فقد ولدت وكل شيء في بيتها محكوم بالقيد. والدها القائد جمال أبو الهيجاء يقضي تسعة مؤبدات منذ عام 2002، بعد أن دافع عن مدينته جنين في وجه الاجتياح. إخوتها اعتُقلوا، منزلها اقتُحم مئات المرات، وذاكرتها مشبعة بصفارات العسكر، بدموع الوداع، وبجدران السجن.
اليوم تعيد سلطات الاحتلال كتابة المأساة من جديد. تعتقل الابنة لأنها ابنة، وتحرمها من الوداع لأنها تنتمي لعائلة لا تنكسر.
بنان وجه آخر للحقيقة التي لا تدفن مهما ثقلت قيودها.