تحولت السجون الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر إلى مسالخ بشرية لا تحترم آدمية الإنسان، ولا تحفظ شيئًا من كرامته.
في معسكرات الاعتقال وتحديدًا في معسكر "عوفر" تم إعدام ما تبقى من منظومة القيم الإنسانية.
هناك لا يُسجن الفلسطيني فقط وإنما يُسحق ويُكسر، ويُغتصب. هناك تتحول أجساد المعتقلين إلى ميادين للانتقام، وأرواحهم إلى أهداف لإذلالٍ ممنهج تتواطأ فيه أدوات الرقابة، والجدران، وأعين الكاميرات، وكل ما يحمله اسم "منظومة أمنية".
بحسب إفادات موثقة لمعتقلين محررين من قطاع غزة، فإن عمليات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية أصبحت سياسة ثابتة تُنفذ تحت إشراف مباشر من جنود الاحتلال، وبتعمد واضح لكسر الإنسان الفلسطيني جسديًا ونفسيًا.
في معسكر "عوفر"، لا يكتفي السجان بالضرب أو التجويع أو الإذلال اللفظي بل يذهب إلى أقصى درجات السادية عبر تثبيت أطراف المعتقل وارتكاب أفعال شنيعة تتضمن إدخال عصي في فتحة الشرج مرارًا وتكرارًا حتى يشعر المعتقل بالاختناق من شدة الألم.
ولا يتوقف الجرم عند الفعل ذاته، ويمتد إلى تصويره بالكاميرات، وتنفيذه أمام معتقلين آخرين بهدف كسر الضحية أمام رفاقه، وبثّ الخوف والرعب في قلوب الجميع. هذا السلوك الوحشي لا يمكن وصفه إلا بأنه جريمة ضد الإنسانية، تمارس تحت حماية الصمت الدولي، وتواطؤ الأنظمة، وعجز المؤسسات.
وأي معتقل يُظهر مقاومة حتى لو بابتسامة يُعتبر متمردًا، وتُنفّذ بحقه أشد العقوبات: الضرب المبرّح، التنكيل الجماعي، التفتيش المهين، وساعات من الاعتداء في الساحات، تحت مسمى "الفحص الأمني".
في هذه الميادين الانتقامية ومعسكرات الموت يُجبر المعتقلون على النوم على بطونهم فينهال عليهم الضرب دون رحمة أو أدنى احترام لكرامتهم.
إن ما يجري في سجون الاحتلال سياسة ممنهجة ترقى إلى مستوى الجرائم الكبرى، و الصمت الدولي تجاه هذه الانتهاكات لا يُعدّ حيادًا، هو شراكة في الجريمة.
إن كل مؤسسة معنية وكل إعلام وكل صوت يختار الصمت يضع توقيعه على شهادة ألم جديدة تضاف إلى سجلات الضحايا.
آن الأوان للعالم أن ينزع الأقنعة، وأن يقول كلمته الواضحة: هذه الجرائم يجب أن تتوقف.
لذلك لا بد من لجنة تحقيق دولية مستقلة ومن محاسبة المجرمين، وكسر جدار الصمت الذي يمنح الجلاد حصانته، لأن الإنسان الفلسطيني لا يستحق سوى الكرامة.