خلف القضبان و الزنازين، حيث تتكلس الأحلام وتنسج حكايات من ألم لا يروى، بين دهاليز السجون يُمسك الفجر بخيوط ضوئه الأولى ليعلن عن يوم مختلف، إنه عيد الفطر، لكنّ جدران الإسمنت التي تختزل فيها الحياة إلى مجرد أنفاس مكبوتة، لا تعرف معنى "العيد".
إنما تتقن ممارسة القهر بفنونها القاتمة بحق الأسرى، اعتداء ممنهج وتنكيل يذيب البشر إلى أشباح، هنا في السجون تحاك مأساة الأسرى بأيد تقطع أوصال الكرامة، وتحول الجسد إلى أرض بور.
العيد خلف القضبان : غصة وقهر مضاعف
في ظل حرب الإبادة على غزة، تحولت السجون إلى مقابر للأحياء. جدرانٌ تئن تحت وطأة الصمت، وغرفٌ مكتظةٌ ببشرٍ تحولوا إلى أرقام.
الأسرى هنا ينامون على الأرض كالحجارة، يتنفسون هواءً ملوثاً بالأمراض، ويشربون ماءً ملوثاً بالذل. الأمراض الجلدية تنتشر كالنار في الهشيم، والدواء حلمٌ بعيد المنال. حتى مواد التنظيف أصبحت سلعةً ثمينة، وكأن الاحتلال يريدهم أن يموتوا موتاً بطيئاً، موتاً بلا ضجيج.
تمر أيام العيد والأسرى محرومون من أبسط حقوق الإنسان: لا زيارات تذكرهم بأن هناك عالماً خارج الزنزانة، ولا رسائل تصلهم تحمل عطر الأحبة، ولا حتى صوتٌ عبر الراديو يخفف وحشة العزلة. المحامون يلاحقون بالتضييق، وكأن العدالة نفسها أصبحت ممنوعة في سجون الاحتلال. الأسير هنا ليس سجيناً فحسب، بل ذكرى أيضاً لسجين، يحاول كل يوم أن يتذكر ملامح أهله قبل أن تسرقها السنون.
طقوس العيد خلف القضبان في ظل الإبادة
يستقبل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال عيد الفطر وسط واقع كارثي وعقوبات صهيونية حرمتهم من كل حقوقهم التي كفلتها كل الشرائع والمواثيق الدولية والإنسانية.
يمر العيد عليهم دون زيارات من الأهل أو المحامين ، ودون رسائل من أحبابهم عبر الراديو، ودون رسائل مكتوبة أو إرسال صور ، يمنعون عن أي شكل من أشكال التواصل مع العالم الخارجي، إضافة إلى مصادرة جميع مقتنياتهم، وحرمانهم من العلاج والنوم، وممارسة سياسة التجويع المتعمد والإهمال الطبي الممنهج،. والضرب والتعذيب المدروس، وعمليات التنكيل والقمع، والإذلال والإهانة بكافة أشكالها .
يأتي العيد بالتزامن مع حرب الإبادة في قطاع غزة وظروف السجون السيئة جدا في ظل الانتهاكات غير المسبوقة، والتضييق على الأسرى من منع مواد وأدوات التنظيف والتعقيم، وشح مياه الشرب ومياه التنظيف، واكتظاظ السجون، وتعمد الاحتلال مضاعفة عدد الأسرى في كل غرفة عن الحد الأقصى لاستحمالها.
العيد مناسبة ثقيلة على الأسرى في السجون
العيد في السجون مناسبة إسلامية سعيدة، لكنها ثقيلة ومؤلمة، وتمر ساعاتها المعدودة وأيامها المحدودة ببطء شديد، والحياة والمشاعر فيها مختلفة، فيضطر الأسرى لإحياء المناسبة بطقوس خاصة، حيث صناعة الحلوى وفقاً للإمكانيات المتاحة، والاستيقاظ المبكر صبيحة العيد، والاستحمام وارتداء أجمل الملابس، والخروج إلى الفورة (الساحة) لأداء صلاة العيد، ومن ثم يصطفون بشكل دائري في الفورة، ويصافحون بعضهم البعض، ويتبادلون التهاني، ويوزعون ما هو متوفر لديهم وما تمكنوا من شرائه من مقصف السجن من الشوكولاتة والتمر، كما وتُلقى الكلمات وعبارات التهنئة والخطب القصيرة.
لكن اليوم العيد مختلف في ظل الابادة ، حيث تمنع إدارة السجن صلاة العيد بشكل جماعي في ساحة القسم، وتمنع الزيارات فيما بين الغرف والأقسام الداخلية، وتتعمد استفزاز الأسرى من خلال اقتحام الأقسام وإجراء التفتيشات الاستفزازية والاعتداء عليهم أو التنكيل بهم، دون احترام لمشاعرهم، إضافة للإهانة والإذلال والضرب الممنهج.
في العيد يضطر الأسرى لاستحضار شريط ذكرياتهم، بما حمله من مشاهد ومحطات مختلفة. فبعض الأسرى ينطوون لساعات طويلة في زوايا الغرف الصغيرة.
الأسرى يعلمون أن فرحتهم مسروقة، لكنهم أيضاً يعلمون أن الأمل لا يُسجن، فكل عام وأسرانا الأبطال ينسجون من زنازينهم الأمب والنور، وكل عام وهم أقرب إلى الحرية.