المحرر أبو طويلة.. جسد محترق وجرح مفتوح
إعلام الأسرى

هناك، خلف القضبان التي تشيدها يد القهر، وفي دهاليز السجون التي تبنيها آلة الاحتلال، وبين جدران الإسمنت البارد حيث تحكم الأصفاد على الأجساد، وفي الزنازين الانفرادية حيث لا ينام الظلام، يصنع السجانون فنونهم السوداء، بدءًا من تكسير العظام بالهراوات إلى تمزيق النفوس عبر عزلاتٍ لا تنتهي، مرورًا بجرائم جنسية تُلامس حافة الإنسانية.

أسرى غزة، الذين خطفهم الجيش بعد السابع من أكتوبر، يصبحون أرقامًا في سجلِّ التعذيبِ اليومي: يُجردون من أسمائهم، يُحشرون في أقفاصٍ معدنية، ويُحاكمون بلا محاكمة. قصصهم، التي تتدفق من تحت الأبواب المؤصدة، تحكي كيف يتحول الجسد الفلسطيني إلى ساحةٍ لـ"انتقام المستعمِر"، وكيف تُختزل الكرامة إلى مجرد ذريعة للبقاء على قيد الألم.




المحرر أبو طويلة.. شاهد حي على وحشية الاحتلال

في العشرين من مارس 2024، لم يكن المحرر محمد أبو طويلة يعلم أن ليلته ستنتهي في قبضة الاحتلال. فقد كان نازحًا مع عائلته إلى عمارة قرب دوار أنصار في مدينة غزة، بعدما أصبح حي الشجاعية شرق مدينة غزة ساحة حرب مفتوحة.

عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، بدأت قوات الاحتلال بمحاصرة المنطقة معلنةً بدء عملية اقتحام وحشية، وكانت الطلقات النارية والقذائف تنهمر بلا توقف. أصبح المكان بأكمله تحت سطوة الجنود الذين اقتحموا المنطقة، وأجبروا جميع الرجال على الخروج حفاة، مجردين من ملابسهم، رافعين بطاقات هوياتهم إلى الأعلى، مقيدين الأيدي إلى الخلف، ومعصوبي الأعين، بينما كان الأطفال والنساء يصرخون في رعب.

نُقل أبو طويلة برفقة عدد من المعتقلين إلى أحد المباني المهجورة، حيث بدأ الجنود باستجوابهم بوحشية، مستخدمين الإهانات اللفظية والشتائم والضرب. لم يكن تحقيقًا عاديًا، بل كان رزمةً من التعذيب المنظَّم والممنهج.

أما المحرر أبو طويلة، فقد كان تعذيبه مخيفًا؛ إذ سُكب ماء النار والكلور على ظهره، وأُجبر على غمر رأسه في وعاء مليء بالمواد الكيميائية. وكلما أخبرهم أنه لا يعرف أي معلومة عن المقاومين وأماكن تواجدهم أو عن الأسرى، زادوا في تعذيبه.




حروق شديدة وآثار تعذيب تكسو جسده

كان أبو طويلة يصرخ من شدة الألم الذي اخترق حواسه كافة، وبدأ يشعر بأنه فقد بصره للأبد، وأن جلده قد ذاب من شدة الحرق.

نُقل أبو طويلة إلى معسكر "سدي تيمان" بعد ثلاثة أيام من التحقيق والتعذيب المستمر، هذا السجن الذي يعيد إنتاج جرائم الماضي بأدوات الحاضر.

بقي أبو طويلة معتقلًا في سجن "سدي تيمان" لمدة ثلاثة أشهر في ظروف قاسية وصعبة، وجراحه تنزف، ووجعه لا يتوقف، ودماؤه تسيل من عينه، لكن الإهمال الطبي كان سياسةً متعمدة، وكأنهم يريدون إطالة عمر الجرح ليصبح شاهدًا على وحشيةٍ لا تنتهي.

وأخيرًا، نُقل أبو طويلة إلى خيام طبية، لكنه لم يجد سوى بعض الضمادات البسيطة، وبقي دون علاج حتى نُقل إلى ما يسمى بعيادة سجن الرملة، حيث مكث فيها 15 يومًا.

لم تتوقف رحلة الألم والمعاناة، بل ازدادت عندما نُقل إلى سجن "عوفر"، حيث استقبله الجنود بالضرب، ففُتحت جراحه من جديد وبقي ينزف حتى أُغمي عليه. بالكاد يستطيع أبو طويلة إبقاء عينه اليسرى مفتوحة، فهي لا تزال تدمع باستمرار بعد أن سُكبت عليها مادة حارقة خلال فترة التحقيق معه.

تنقل أبو طويلة بين السجون حتى انتهى به المطاف في سجن "النقب"، حيث قضى آخر أيامه هناك حتى يوم 15 فبراير الماضي، حين أُفرج عنه ضمن صفقة "طوفان الأحرار".




معاناة لا تنتهي

ما عاشه المحرر أبو طويلة ليس قصة فردية، بل شهادة على ما يعيشه آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، الذين يتعرضون بشكل يومي لانتهاكات غير مسبوقة من التعذيب، والإهمال الطبي، والتجويع، والحرمان.

هذه الانتهاكات تُنفَّذ بإشراف مباشر من قادة السجون، كأداةٍ عقابيةٍ جماعية ضد الأسرى الفلسطينيين، خاصةً من قطاع غزة، في انتهاكٍ صارخٍ للمواد (1) و(2) من اتفاقية مناهضة التعذيب الأممية، والمادة (13) من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة الأسرى.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020