زواهرة .. رحلة معاناة طبية تصل إلى المحطة الأخيرة
تقرير/ إعلام الأسرى

يعيش الأسرى في السجون الإسرائيلية ظروفًا صحية بالغة القسوة، تصل حدّ الانتهاك المنظم لحقهم في العلاج وسط تقارير متزايدة عن تدهور حالتهم الجسدية والنفسية بسبب سياسات الإهمال الطبي، والاكتظاظ، وظروف الاحتجاز غير الإنسانية.  

تفاقمت سياسة الإهمال الطبي المتعمد بحق الأسرى المصابين والمرضى في السجون الاسرائيلية بعد السابع من أكتوبر 2023، حيث أصبحت إدارة السجون تستخدمها كسلاح انتقامي ضد الأسرى ، بحرمانهم من الرعاية الطبية و العلاج، حتى الذين يعانون منهم من أمراض مزمنة و إصابات خطيرة قد تودي بحياتهم، إلى جانب ما يتعرضون له من ضرب و تنكيل دون مراعاة لحساسية وضعهم، مما أدى إلى استشهاد عدد منهم ، وهذا مرشح للازدياد مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية أثناء الاعتقال وداخل السجون.  

الإهمال الطبي .. سياسة ممنهجة وجريمة ضد الإنسانية

في مشهد يتكرر يوميًّا، تتحول الأمراض المزمنة إلى أحكام إعدام بطيئة، بينما تتصاعد تحذيرات المنظمات الحقوقية من كارثة إنسانية قد تفتك بالمزيد من الأرواح إن لم تُتخذ إجراءات عاجلة.  

كشفت تقارير حديثة صادرة عن منظمات حقوقية محلية ودولية عن تدهور مريع في الخدمات الطبية المقدمة للأسرى، حيث يعاني أكثر من 70% منهم من أمراض مزمنة كالسكري والضغط والسرطان، دون توفير أدوية أو رعاية كافية. وتفاقم الأوضاع بسبب الاكتظاظ الذي يصل إلى 200% في بعض السجون، حيث يُحشر الأسرى في زنازين لا تتوفر فيها أدنى شروط التهوية أو النظافة، يسهم في انتشار الأوبئة والأمراض الجلدية. كما تشير تقارير إلى أن الوجبات الغذائية تفتقر إلى العناصر الأساسية، ما يؤدي إلى ضعف المناعة وفقدان الوزن بشكل حاد، خاصة بين الأسرى المرضى وكبار السن.  

زواهرة .. محطم أسطورة الحواجز المحصنة حرر بأمر المقاومة

كاظم زواهرة( ٣٠ عاما) ابن قرية التعامرية شرق مدينة بيت لحم الفلسطينية، هو أحد منفذي عملية حاجز الزعيم في فبراير من العام الماضي، وكان وقتها لا يزال «عريس» جديد؛ إذ تزوج في سبتمبر 2023، وتسببت العملية في رعب كبير للاحتلال الإسرائيلي، وتحطيم أسطورة الحواجز المحصنة.  

ومع الساعات الأولى من يوم الخميس 22 فبراير ٢٠٢٤، استيقظت دولة الاحتلال الإسرائيلية على عملية نفذها 3 فلسطينيين ثأرًا لجرائم الاحتلال في قطاع غزة، في واحد من أقوى الحواجز الإسرائيلية، وهو حاجز الزعيم شرقي مدينة القدس المحتل، المعروف بوجود قوات مسلحة بشكل مستمر، ويطلق عليه بأنه «الأكثر حصانة»، وهو ما أسفر عن مقتل جندي إسرائيلي وإصابة 8 آخرين، كان بينهم حالات حرجة، منفذو تلك العملية كانوا الشقيقان محمد وكاظم زواهرة «26 و30 عاما»، وصديقهما طبيب العظام أحمد الوحش، 32 عاما، وبحسب تفاصيل تلك العملية، فقد استقل الشبان الثلاثة مركبة زرقاء باتجاه حاجز الزعيم قرب قرية الطور، وافتعلوا حادثا مروريا، قبل أن يتقدموا نحو الحاجز ويدخلوا في اشتباك مسلح مع جنود الاحتلال الإسرائيلي هناك. وعقب اشتباك الشبان الثلاثة مع جنود الاحتلال الإسرائيلي، استشهد اثنان وأصيب الثالث بجروح خطيرة، وبحسب الاحتلال وقتها فقد أعلن استشهاد الأخوين زواهرة وإصابة أحمد الوحش، إلا أنه بعد 5 أيام كشفت هيئة شئون الأسري أن الشاب الجريح هو كاظم زواهرة من بيت لحم. ومنذ ذلك الحين دخل الأسير كاظم زواهرة في غيبوبة ويخضع للمراقبة المكثفة في مستشفي عين هداسا، ويعيش على أجهزة التنفس الاصطناعية، ورغم ذلك عقدت جلسة محاكمة غيابية له.  

حرية الجسد المغيب

كاظم زواهرة، الأسير الذي رفضه الموت، وابتلعته الغيبوبة بعد أن اعتقلته قوات الاحتلال، خرج  ضمن الدفعة السابعة من أسرى طوفان الحرية، لكن بجسد ممدد على سرير المستشفى، خرج دون أن ينطق أو يفتح عينيه، فهو لا يزال أسيرًا لجراحه، وجسده الطريح، الذي سلمته إسرائيل للصليب الأحمر ونقله إلى مستشفى الحسين في جالا ببيت لحم .  

لا أحد يعرف كيف مرَّ عليه الزمن خلال عامٍ كامل، وكيف عاش في غيبوبته المظلمة داخل مستشفيات الاحتلال، فهو لا يتحدث ولا يتنفس إلا عبر جهاز تنفس صناعي، كان الاحتلال يرفض الاعتراف بحق كاظم في العلاج خلال عام كامل، ويتركه يواجه معاناته وحيدًا، داخل مستشفى "عين هداسا".  

يعاني كاظم اليوم من فشل في الكلى ونزيف في المعدة، ووضعه الآن حرج، لا يحرك إلا عينيه، هناك استجابة للألم وللكلام عن طريق إغماض العين، ولديه كثير من التقرحات في ظهره وأقدامه، وتشجنات قوية في جسده. يحتاج زواهرة وفقا للأطباء إلى أجهزة تنفس وإعادة تأهيل ويحتاج إلى فترة علاج طويلة، فهو يتغذى عبر فتحة في المعدة، وحالته حرجة للغاية.

كاظم زواهرة  هو جزء من فرحة الأسرى، ولكنه لا يزال أسيرًا للغيبوبة التي سرقت منه أيامه،  كانت السياسة القمعية لإسرائيل تُصر على تركه في غيبوبته، متجاهلةً حالته الصحية الخطيرة، لتُثبت من جديد سياسة الإهمال الطبي الممنهجة والمتعمدة التي تهدد حياة العديد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

قصة الأسير المحرر كاظم زواهرة ليست مجرد قصة فردية، بل هي رواية تمثل معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين سُلبت حياتهم وأصواتهم داخل الزنازين والمعتقلات الإسرائيلية جراء الإهمال الطبي الذي كان طريقة الاحتلال للانتقام من الأسرى.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020