أسرى غزة.. حرب إبادة وعذابات سجون لا ترحم

في أكتوبر عام 2023، اندلعت حرب لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث، لم تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، مورست فيها جميع أشكال الوحشية واللاإنسانية، وسجلت فيها قصص لا يكاد يستوعبها العقل، وأما ما لايزال مخفياً منها تحت طيات الدمار أكثر مما كُشف عنه، وأشد وطأة، وأشد تنكيلاً.



يتفنن العدو الصهيوني في إذلال وتعذيب الأسرى الفلسطينيين في سجونه بأبشع الأساليب ضاربًا بالقرارات الدولية عرض الحائط .  



انتهاكات مستمرة.. 



يمعن الاحتلال في تعذيب  الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، بدءا من تخفيض كمية الطعام والحرمان من الاستحمام، وصولا إلى الاعتداء الجنسي والضرب حتى الموت، منذ الـسابع من تشرين الأول 2023.



ومنذ اجتياح الاحتلال قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، اعتقل آلاف الفلسطينيين بينهم نساء وأطفال، وأفرج عن عدد ضئيل منهم لاحقًا، في حين لا يزال مصير الآخرين مجهولًا وسط شهادات عن عمليات تعذيب ممنهج بحق المعتقلين.  



وكشف عدد من الأسرى الفلسطينيين المحررين ضمن الدفعة الرابعة من صفقة تبادل الأسرى (طوفان الأحرار) عن حجم الجرائم والانتهاكات التي تعرضوا لها خلال فترة اعتقالهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وبحسب شهاداتهم، فقد تعرضوا للضرب المبرح لعدة أيام قبيل الإفراج عنهم، ما أدى إلى إصابة بعضهم بكسور في الأضلاع، فضلًا عن التعذيب الجسدي والنفسي الممنهج.



حيث أكد "عبدالله زغاري" المتحدث باسم نادي الأسير الفلسطيني أن سلطات الاحتلال أحالت حياة المعتقلين والأسرى إلى جحيم، في ظل ما يتعرضون له من ضرب مستمر واعتداءات وتجويع وحرمانهم من زيارة ذويهم، ومنع الصليب الأحمر من التواصل معهم، ووضع عراقيل أمام المحامين الذين يشكلون حلقة الوصل الوحيدة بين الأسرى وذويهم.



وتابع: "لا شك أن ظروف الاعتقال صعبة وقاسية، بل أكثر من ذلك، إذ يعيش الأسرى في جحيم على الأرض، في ظل الوحشية والانتقام اللذين يمارسهم الاحتلال بحقهم، بتعليمات من مختلف الجهات السياسية والعسكرية".



شهادات صادمة



يروي الأسير المحرر مصطفى حسونة 41 عاماً من مخيم جباليا تفاصيل اليوم الذي تمت مداهمتهم، وأجبرت عائلته المكونة من ستة أفراد على النزوح قسراً إلى الشيخ رضوان مع عائلات أخرى دون مرافقة أي من رجالهم، تم توجيهنا من خلال مسيّرات الكواد كابتر للذهاب الي المشفى الإندونيسي وحين وصلنا المستشفى، تم اعتقالي هناك وآخرين، في تاريخ ٢٣/ ١٠/ ٢٠٢٤، يكمل حسونة تفاصيل أيام الرعب التي قضاها بعد ذلك، حيث كان الإجراء الأول عصب الأعين وتكبيل الأيدي والأرجل، ومن ثم الصعود عبر مركبات خاصة إلى مكان مجهول.  



وتابع أثناء عملية النقل، كنا نتعرض   لمعاملة قاسية، وضرب مبرح بالهراوات والعصي، وأعقاب البنادق، والركل بالأقدام، وعندما وصلنا سجن سديه تيمان المسمى بالجحيم كان الأسرى يعانون من التعب و الهزال، فقد تعرض العديد منهم لحالات إغماء، فكلهم جوعى وبينهم مرضى، وطوال الليل يرتعشون من البرد، حيث تعرضت للضرب، والتعرية، والتحقيق الميداني، طوال مدة بقائي التي بلغت سبعين يوماً، أنتقل بين مركز تحقيق وآخر وأقاسي أنواعاً من الإهانة والتعذيب".



وفي شهادة أخرى يقول الأسير المحرر يوسف شرف المفرج عنه في صفقة طوفان الأحرار أنه عانى الضرب المبرح طوال فترة الاعتقال كاشفا عن أن “جنود الاحتلال يمارسون أبشع أنواع التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين”، وأن "الأسرى لا يعيشون في سجون بل في مراكز تعذيب يعانون فيها الجوع والأمراض وقلة العلاج”.



ويقول شرف " عانيت من قلة العلاج والطعام، وتم إجراء عملية جراحية لي بالركبة على يد الدكتور ناهض أبو طعمية في السجن بمستلزمات طبية غير مناسبة، مستخدما الكلور المنزلي للتطهير، كما قام  بإجراء العملية من دون مخدر بسبب منع كافة المستلزمات الطبية بعد رفض الاحتلال معالجة الأسرى”.



ويضيف الأسير المحرر محمد البودي سكان بيت لاهيا أن الاحتلال يتعمد ضرب المعتقلين على مناطق حساسة، مثل الرأس والظهر والرقبة ، فيما ينام غالبية المعتقلين على الأرض دون فراش وأغطية، كانوا يعاملوننا كالحيوانات، ويجبرونا على الوقوف في صف واحد بطريقة مهينة، وكان يطلب من بعض المعتقلين السير على أطرافهم الأربعة، كما أن المعتقلين الذين يتعرضون لإصابات جراء عمليات التعذيب لا يتلقون العلاج، ويتعرضون لجرائم طبية أدت لاستشهاد بعضهم.  



شهادات حقوقية



أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الحالة الصحية المتدهورة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم إسرائيل في إطار صفقة التبادل، ضمن تفاهمات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تعكس الظروف القاسية التي عاشوها خلال اعتقالهم، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والانتهاكات المهينة التي استمرت حتى اللحظة الأخيرة.

أوضح المرصد الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثق "إجبار القوات الإسرائيلية العديد من المعتقلين على حلق رؤوسهم كإجراء مهين ومتعمد يستهدف إذلالهم وتحطيم معنوياتهم، إضافة إلى إجبارهم على ارتداء ملابس السجن، وتعريضهم للضرب والعنف قبل وأثناء تحميلهم في الباصات".



وقال إن القوات الإسرائيلية أفرجت عن جميع الأسرى والمعتقلين في ظروف بالغة السوء، شملت الاعتداء على تجمعات ذويهم الذين كانوا في استقبالهم وقمعهم بالرصاص وقنابل الغاز ما أدى إلى إصابة بعضهم بالإضافة إلى اقتحام منازلهم والأماكن التي خصصت لاستقبالهم والاحتفال بالإفراج عنهم.



وأوضح المرصد الأورومتوسطي أن الشهادات التي وثقها وتابعها من الأسرى والمعتقلين المفرج عنهم تكشف أن انتهاكات إدارات السجون الإسرائيلية تجاوزت سوء ظروف الاحتجاز لتتحول إلى "سياسة انتقامية منهجية" استهدفت جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. وأكد أن الأوضاع داخل السجون شهدت تدهورا غير مسبوق منذ 7 أكتوبر 2023، حيث تعرض المعتقلون لـ"عمليات تعذيب قاسية وتجويع متعمد وعزل انفرادي طويل الأمد في إطار إجراءات عقابية تصاعدت بشكل وحشي عقب الأحداث في قطاع غزة في محاولة لمعاقبتهم على أحداث لا صلة لهم بها سوى كونهم فلسطينيين".



وأصدرت منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية تقريرا يوثق التغيّر الذي طرأ على ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر. ووفق المنظمة الإسرائيلية، هناك "شبكة معسكرات هدفها الأساسيّ التنكيل بالبشر المحتجزين داخلها، فكلّ من يدخل أبواب هذا الحيّز، محكوم بأشدّ الألم والمُعاناة المتعمّدين وبلا توقّف".



ويؤكد علاء السكافي مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، عدم وجود حصر دقيق لعدد الفلسطينيين الذين اعتقلهم الاحتلال “الإسرائيلي” من قطاع غزة؛ نظرًا لسياسة الإخفاء القسري.



وكشف أن معتقلي غزة يتعرضون لنوعين من التعذيب والإذلال والتنكيل في سجون الاحتلال “الإسرائيلي”؛ أولهما التعذيب القاسي بأساليب غير مسبوقة خلال التحقيق لانتزاع الاعتراف، والثاني المعاملة القاسية والمهينة، وتشمل الضرب المبرح والتنكيل الدائم بما فيه من إهانات وإذلال وتخويف. وأكد أنه لا يوجد حصر لأسماء وأعداد المعتقلين منذ 7 أكتوبر 2023، لممارسة الاحتلال سياسة الإخفاء القسري.



وشددت منظمة العفو الدولية إن على السلطات الإسرائيلية الكفّ عن احتجاز الفلسطينيين من قطاع غزة المحتل بمعزل عن العالم الخارجي ولأجل غير مسمى، وبدون تهمة أو محاكمة، بموجب قانون المقاتلين غير الشرعيين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي

أثبت  الاحتلال الإسرائيلي، على مدار أشهر متواصلة من الحرب أنه يضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والقوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان، من خلال حربه الدامية والمدمرة في قطاع غزة، واختراقه كافة القوانين والاتفاقيات الدولية بشكل فجّ.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020