تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في اليوم الـ 250 على حرب الإبادة التصعيد من حملات الاعتقال الممنهجة والتي طالت أكثر من (9170) مواطنا من الضّفة الغربية والقدس المحتلتين، إضافة إلى الآلاف من أبناء قطاع غزة، كما وتستمر تنفيذ المزيد من الجرائم الممنهجة بحقّ الأسرى والمعتقلين.
والأرقام المتعلقة بحملات الاعتقال اليومية، لا تعكس فقط التصاعد في الأعداد، وإنما في مستوى الجرائم التي رافقت حملات الاعتقال، وأبرزها عمليات الإعدام الميداني التي انتهجها جيش الاحتلال خلال اقتحامه للمحافظات والبلدات والمخيمات، والتي طالت كافة الفئات ومنهم النساء والأطفال.
وتركزت عمليات الاعتقال بحقّ عائلات الأسرى، ومن تعرض للاعتقال سابقًا، إضافة إلى عائلات الشهداء، عدا عن عمليات التّنكيل والتّهديد والاستدعاءات التي طالت عائلات المطاردين من قبل الاحتلال، إلى جانب اعتقالهم كرهائن -وتحديدًا- الآباء.
وجرائم الاحتلال الراهنّة، تشكّل امتدادًا لنهج الاحتلال القائم منذ عقود طويلة لاستهداف الوجود الفلسطينيّ، وفرض المزيد من أدوات القمع والسيطرة والرقابة، إلا أنّ المتغير الوحيد منذ بدء حرب الإبادة يتمثل بمستوى كثافة الجرائم، سواء الجرائم المرافقة لعمليات الاعتقال، أو الجرائم بحق الأسرى داخل السجون والمعسكرات، والتي تجاوزت المفاهيم والتّعريفات الخاصّة التي فرضتها المنظومة الحقوقية الدّولية، حيث أنّ الاحتلال عمل كماكنة استعمارية لمأسسة العديد من الجرائم بمستويات وأدوات لم يشهدها العصر الحديث، ومنها الجرائم التي انتهجتها منظومة السّجون.
فعلى مدار أكثر من (8) شهور من العدوان المتواصل والمتصاعد، نفّذت منظومة الاحتلال بكافة مستوياتها، جرائم مروّعة وخطيرة، بحقّ الأسرى والمعتقلين أدت إلى استشهاد ما لا يقل عن (18) أسيرًا ممن تمكّنت المؤسسات المختصّة من الإعلان عنهم فقط، علمًا أنّ أعداد الشهداء بين صفوف معتقلي غزة يقدرون بالعشرات، وكان الاحتلال قد صرح مؤخرًا في أحد التّحقيقات الصحفيّة الدّولية عن استشهاد (36) معتقلًا من غزة في السجون والمعسكرات، وحتّى اليوم يرفض الإفصاح -بشكل كامل- عن هوياتهم وظروف استشهادهم، وذلك في ضوء جريمة الإخفاء القسري المتواصلة بحقّ معتقلي غزة، ليكون عدد الشهداء بين الأسرى والمعتقلين هو الأعلى تاريخيًا وفقًا للمعطيات المدونة لدى المؤسسات المختصة.
وتستعرض مؤسسة عاملة في مجال الأسرى أبرز المعطيات التي تتعلق بحملات الاعتقال بعد مرور 250 يومًا على حرب الإبادة، ومجمل الجرائم التي تواصل منظومة الاحتلال تنفيذها بحقّ الأسرى والمعتقلين في سجونه ومعسكراته:
بلغت حصيلة حملات الاعتقال أكثر من (9170) في الضّفة الغربية والقدس المحتلتين.
ملاحظة: تشمل حالات الاعتقال كل من تعرض للاعتقال سواء من أبقى الاحتلال على اعتقاله أو من تم الإفراج عنه لاحقًا.
•النساء: بلغت حصيلة حالات الاعتقال بين صفوف النساء أكثر من (310) – (تشمل هذه الإحصائية النساء اللواتي اعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1948، وحالات الاعتقال بين صفوف النساء اللواتي من غزة وجرى اعتقالهن من الضّفة).
•الأطفال: بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال -على الأقل- (640).
وبلغت أوامر الاعتقال الإداري بعد السابع من أكتوبر أكثر من (6627) أمرا ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، منها أوامر بحقّ أطفال ونساء.
وهنا نستعرض بعض الفئات التي اُستهدفت خلال حملات الاعتقال من صحفيين، وأطباء، ومحامين، ومهندسين:
•الصحفيين: بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الصحفيين بعد السابع من أكتوبر نحو (85) صحفيًا، تبقى منهم رهن الاعتقال (52)، من بينهم (14) صحفيًا من غزة، ومن بين الصحفيين الذين أبقى الاحتلال على اعتقالهم (6) صحفيات، معتقلات إما اعتقال إداريّ، وإما على خلفية ما يدعيه الاحتلال بالتّحريض.
•الأطباء: بلغت حصيلة حالات الاعتقال بين صفوف الكوادر الطبيّة استنادًا لمعطيات وزارة الصّحة الفلسطينية إلى (310).
•المحامين: بلغت حصيلة حالات الاعتقال بين صفوف المحامين ما لا يقل عن (30) منهم، بحسب ما هو متوفر من معطيات.
•المهندسين: وبلغ عدد المهندسين المعتقلين في سجون الاحتلال ما لا يقل عن (35) مهندسًا/ة.
وغالبية من جرى اعتقالهم من الضّفة تم تحويلهم إلى الاعتقال الإداريّ، حيث شكّلت أعداد المعتقلين الإداريين بعد السابع من أكتوبر الأعلى تاريخيًا، وبلغ عددهم حتى بداية حزيران الجاري، أكثر من (3400) معتقل إداري، بينهم نساء وأطفال.
كذلك تصاعدت عمليات الاعتقال على خلفية التّحريض على مواقع التواصل الاجتماعيّ والتي طالت المئات من كافة الجغرافيات الفلسطينية.
ويبلغ عدد إجمالي الأسرى حتى شهر حزيران الجاري، أكثر من (9300) أسير في سجون الاحتلال، منهم (75) أسيرة، وأكثر من (3400) معتقل إداريّ، وما لا يقل عن (250) طفلًا، وذلك بحسب المعطيات المتوفرة للمؤسسات المختصة، إضافة إلى (899) معتقلًا ممن صنفهم الاحتلال (بالمقاتلين غير شرعيين) وهذا العدد لا يشمل كافة معتقلي غزة والذي يقدر عددهم بالآلاف.
مع الإشارة إلى أنّ من بين الأسيرات البالغ عددهنّ (75) والقابعات في سجن (الدامون)، أسيرتين حامل ويواصل الاحتلال اعتقالهما حتّى اليوم وهما: جهاد دار نخلة، وعائشة غيظان.
قضية معتقلي غزة تشكّل اليوم التّحدي الأبرز أمام عمل المؤسسات الحقوقية:
في ضوء كثافة جرائم التّعذيب التي تعرض لها معتقلو غزة في سجون الاحتلال ومعسكراته، وما كشفت عنه شهادات المفرج عنهم، وكذلك التّحقيقات الصحفيّة والتّقارير الدّولية التي استندت على تلك الشهادات، فإنّ قضية معتقليّ غزة تشكّل اليوم التّحدي الأبرز أمام عمل المؤسسات الحقوقية، لا سيما مع استمرار الاحتلال ممارسة جريمة الإخفاء القسري بحقّ غالبية المعتقلين من غزة، ورفضه السّماح للجنة الدّولية للصليب الأحمر من زيارتهم والاطلاع على ظروف اعتقالهم.
ومؤخرًا فإنّ التّطور الوحيد الذي طال هذه القضية هو بعض التّعديلات القانونية المحدودة لبعض اللوائح الخاصّة بقضية معتقلي غزة و-تحديدًا- المتعقلة بمدد منعهم من لقاء المحامي، والتي مكّنت المؤسسات من الحصول على بعض الإجابات حول أماكن احتجاز البعض منهم.
وقضية معتقلي غزة تحتاج إلى جهود حثيثة من أجل متابعتها رغم الظروف المشددة والصعبة التي يفرضها الاحتلال حيال هذه القضية، كما وأنّ تصاعد الحديث عن ادعاءات الاحتلال بنيته بفتح تحقيقات بشأن ظروف معسكر (سديه تيمان) كواحد من بين عدة معسكرات وسجون تحتجز فيها سلطات الاحتلال معتقلي غزة، هي مجرد ادعاءات لا تحمل أي معنى لمنظومة تمارس الإبادة الجماعية على مرأى من العالم، وتمارس جرائم التّعذيب والإعدامات الميدانية أمام عدسات الكاميرا، وإلى جانب قناعتنا الراسخة بأن منظومة القضاء الإسرائيليّ شكّلت وما تزال ركنا أساسيا في ترسيخ كل الجرائم الحاصلة اليوم، ومنها الجرائم المتواصلة بحقّ الأسرى والمعتقلين.
واقع الأسرى والمعتقلين بعد مرور 250 يومًا على حرب الإبادة:
بعد مرور 250 يومًا على حرب الإبادة، يواصل الاحتلال الإسرائيليّ تنفيذ المزيد من الجرائم وعمليات التّعذيب والتّنكيل بحقّ الأسرى والمعتقلين، والتي شكّلت وجهاً للإبادة المستمرة بحقّ شعبنا في غزة، منذ بداية العدوان، فرضت إدارة السّجون جملة من الإجراءات لتضييق الخناق والانتقام من الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، بالإضافة إلى الاعتداءات وعمليات الضرب المبرّح والتّعذيب والتّجويع، حيث سُجلت مئات الإصابات بين صفوف الأسرى جرّاء الاعتداءات التي نفّذتها قوات القمع و-تحديدًا- في الفترة الأولى على العدوان، وقد تنوعت أساليب التّنكيل، ومنها أساليب التّعطيش والتّجويع بالإضافة إلى سحب كل مستلزمات الحياة الأساسية، والإبقاء على الحد الأدنى منها، حيث سحبت إدارة السّجون جميع الأدوات الكهربائية، والملابس، بما فيها الطعام الخاص بالأسرى، وعزلتهم عن العالم الخارجي لغاية اليوم، وقامت بزّج المعتقلين في (غرف- زنازين) لا تتسع لهذه الأعداد، مما فرض حالة من الاكتظاظ العالية جدًا، إضافة إلى الجرائم الطبيّة التي تصاعدت بشكل ملحوظ.
وحوّلت إدارة السّجون كافة (أنظمة السّجن) بما فيها ما يسمى بإجراء (الفحص الأمني- العدد)، إلى محطة للإذلال، كما واستخدمت عمليات نقل الأسرى، وكذلك زيارة المحامين لمحطة للاعتداء عليهم وإذلالهم من خلال السّجانين ووحدات القمع، وفرض قيود مشددة على الزيارات، منها جلب الأسير وهو مقيد ومعصوب العيون، على الزيارة، وعدا عن ذلك فقد شكّلت بعض القضايا محوراً مهماً منها عمليات التّفتيش العاري التي تعرضت لها الأسيرات -تحديدًا- في محطة التوقيف المؤقت سجن (هشارون).
ويشكّل عامل الزمن اليوم ومرور مزيد من الوقت في ظل استمرار هذه الإجراءات، عاملًا أساسيًا في تفاقم معاناة الأسرى، فمستوى الشّهادات التي حصلت عليها المؤسسات المختصة عبر الطواقم القانونية، ومن خلال الأسرى المفرج عنهم، تعكس التفاصيل المروعة التي بلغت ذروتها في الشهور الأولى على العدوان، ولا تتوقف تلك الشّهادات حتّى اليوم فمع مزيد من الزيارات، والمزيد من الإفراجات تتكشف مستويات التّوحش الذي انتهجه الاحتلال بحقّ الأسرى، وقيادات الحركة الأسيرة.
وقد برزت قضية انتشار الأمراض الجلدية بين صفوف الأسرى، و-تحديدا- مرض (الجرب – السكايبوس) في عدة سجون، نتيجة لعدم توفر الحد الأدنى من شروط النظافة، خاصّة أنّ إدارة السّجون سحبت الملابس وأبقت لكل أسير غيار واحد فقط، وانتهجت سياسة (الاكتظاظ)، وحرمتهم من أدنى المستلزمات الأساسية للحفاظ على النظافة الشخصية، ونفّذت بحقّهم جرائم طبيّة، بحرمانهم من العلاج اللازم، علمًا أنّ من بين من أصيبوا أطفال.
هذا ونشير إلى أن الاحتلال صعّد مؤخرًا من التضييقات على الطواقم القانونية من خلال منع عدد منهم من زيارة الأسرى لذرائع وادعاءات لا أساس لها، هذا عدا عن التّهديدات التي طالتهم، والعراقيل التي انتهجتها إدارة السّجون لمنع الزيارات بشكل عام، مع العلم أنّ الاحتلال يواصل منع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من القيام بزيارات للأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيليّ.
إلى جانب كل ما ذكر فإن العشرات من الأسرى ومنهم أسرى غزة المعتقلين قبل تاريخ حرب الإبادة فقدوا أفرادًا من عائلاتهم في غزة، ومنهم من فقد أكثر من فرد، هذا عدا عن مجموعة منهم كان من المفترض أن يفرج عنهم في الشهور الماضية، إلا أنّ الاحتلال أبقى على اعتقالهم حتّى اليوم.
والعديد من الأسرى الذين فقدوا أقارب لهم من الدرجة الأولى، ومهم أقارب اُستشهدوا برصاص الاحتلال، لم تتمكّن المؤسسات من إبلاغهم بذلك في الوقت اللازم، بسبب العراقيل التي فرضتها إدارة السّجون على زيارتهم.
وفي إطار متابعة قضايا الأسرى بعد الإفراج عنهم، فإنّ غالبية من أفرج عنهم، يعانون من أمراض ومنها أمراض مزمنة، ومنهم من خضع لعمليات جراحية، هذا عدا عن الآثار النفسية الظاهرة على العديد منهم جرّاء ما تعرضوا خلال فترة اعتقالهم، ونذكر هنا الشهيد والأسير السابق فاروق الخطيب الذي ارتقى مؤخرًا جرّاء الجريمة الطبيّة التي تعرض لها داخل السّجون، حيث تبين أنّه مصاب بالسرطان وفي مراحل متقدمة دون حصوله على العلاج اللازم، إضافة إلى تعرضه لعمليات تنكيل ممنهجة خلال اعتقاله.
وتجدد مؤسسة الأسرى مطالبتها بضرورة فتح تحقيق بإشراف دولي بشأن الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي مورست بحقّ المعتقلين والأسرى في سجون ومعسكرات الاحتلال، كوجه من أوجه الإبادة المستمرة بحقّ شعبنا في غزة، وذلك على الرغم من الصورة القاتمة التي تلف المنظومة الحقوقية الدولية، وحالة العجز المرعبة التي سيطرت على صورتها ومواقفها، أمام الجرائم والفظائع التي مارسها الاحتلال منذ بدء حرب الإبادة حتى اليوم.