في قانون الاحتلال قد يتحول منزلك الجميل الهادئ الذي تسعد بالعودة إليه؛ إلى سجن، وقد يتحول أكثر الناس رحمة بك وشفقة عليك إلى سجانين عليك، مما يخل بتوازن واستقرار العائلة، ويدفع إلى النفور منها، وهذا القول حقيقة وليس درباً من دروب الخيال.
بشكل شبه يومي وبعد منتصف الليل تدق خفافيش الظلام باب منزل المواطن المقدسي "فوزي الباسطي" في حي باب حطة بالبلدة القديمة من القدس المحتلة، وذلك للتأكد من وجود نجله الطفل" أيهم" ابن الثالثة عشرة من العمر؛ قيد الحبس المفروض عليه منذ أشهر.
هذا لا يحدث إلا في ظل سلطة الاحتلال التي تفرض ما يعرف بالحبس المنزلي على أطفال القدس، والذي يتم بموجبه حجز الطفل الفلسطيني القاصر، في المنزل لفترات قد تطول حسب ما يقرر الاحتلال، وقد يمدد الحبس ة لهم لفترات جديدة كما يتعامل مع الاعتقال الإداري.
مكتب إعلام الأسرى أكد أن الطفل المقدسي أيهم الباسطي أحد ضحايا الحبس المنزلي؛ حيث جرى اعتقاله من بيت أسرته فجرًا قبل ثلاثة أشهر، بعد تفتيش المنزل وتحطيم محتوياته، وتم التحقيق معه لساعات طويلة، تعرّض خلالها للتعذيب والتخويف، قبل أن يطلق الاحتلال سراحه بشرط الخضوع للحبس المنزلي المفتوح.
محكمة الاحتلال فرضت على الطفل عقوبة الحبس المنزلي منذ ثلاثة أشهر بعد اتهامه بإطلاق مفرقعات نارية على أحد المستوطنين، ومنعته من الخروج من بيت أسرته إلا بعد إذن من المحكمة الصهيونية، الأمر الذي وضع العائلة في حالة من المعاناة المتواصلة والمضاعفة.
بحسب والد الطفل فإن قوات الاحتلال ومنذ صدر قرار الحبس المنزلي تداهم منزلهم بشكل يومي في ساعات الفجر أو بعد منتصف الليل للتأكد من وجوده، فقط من أجل إزعاج الأسرة وإقلاق راحتها.
الطفل أيهم عبّر عن معاناته بقوله:" قوات الاحتلال حرمتني من طفولتي ومدرستي، وحرموني حتى من صلواتي في المسجد ومن زيارة بيت جدتي المجاور، عندما يأتون ليلًا أشعر بالخوف جراء التهديد المتواصل بالاعتقال، ويبدأون في ممارسة عنصريتهم عليَّ وعلى والدي".
"أريد أن أتخلص من هذه الحالة المأساوية، وأشعر بأن جميع أفراد أسرتي مسجونون معي داخل البيت، وإذا ما خرج أبي أو أمي دون إخبار شرطة الاحتلال يتم تغريم الأسرة".
والده فوزي الباسطي قال إن الأسرة تعيش حالة من الرعب كل ليلة، وتتعرض لكافة أشكال الإساءة والعنصرية، مضيفا أن الزيارات الليلية المتكررة لبيتهم أثّرت على الوضع النفسي للطفل، وأن هناك إصرارًا من سلطات الاحتلال على تعذيبه نفسيًّا من خلال الحضور لجلسات المحكمة بشكل مستمر.
وتابع:" أيهم سيتم تقديمه أمام المحكمة في سبتمبر/أيلول وفي ديسمبر/كانون الأول، ولا ندري أي شيء عن القرارات الجديدة التي قد تصدرها المحكمة".
مكتب إعلام الأسرى يرى أن عقوبة الحبس المنزلي من أسوأ ما يمر به الأطفال والفتية المقدسيين، حيث يحرمون من الحركة والتوجه إلى مدرستهم، كما تتولد لديهم العدوانية وعدم الثقة بالآخرين والانعزال عن المجتمع، مبينًا أن ظروف اعتقالهم تسبب مشاكل نفسية تؤدي للتبول اللاإرادي وتساقط الشعر.
سياسة الحبس المنزلي يستخدمها الاحتلال بشكل كبير بحق الأطفال في القدس، حيث فرض خلال النصف الأول من العام الجاري فقط ما يزيد عن 215 أمرا طالت أطفالا ونساء في القدس لوحدها، بعضهم فرض عليه المكوث في بيته لا يستطيع الخروج منه بشكل مطلق حتى لو كان للمدرسة، ومنهم من فرض عليه الحبس في منازل أقارب لهم بعيدا عن منزله ومنطقة سكنه.
النوع الأخير أكثر صعوبة؛ حيث يشتت العائلة ويفرض على الطفل الحياة مع أشخاص لم يألف العيش بينهم بشكل مباشر كذويه، وهذا يسبب له الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية وخاصة إذا طالت مدة هذا الحبس المنزلي.
وبين إعلام الأسرى أن الاحتلال يستهدف الأطفال المقدسيين بشكل خاص بالحبس المنزلي حيث أن عمرهم الصغير لا يسمح له دائما باعتقالهم في السجون فيقوم باستبدال الاعتقال بالحبس الاختياري في المنزل.
الآثار المترتبة على الإقامة الجبرية التي يفرضها الاحتلال على الأطفال لا تتوقف عند مدة الحبس إنما تمتد الى ما بعد انتهاء هذه الإقامة حيث أنها تؤثر سلباً على نفسيات الأطفال الذين من المفترض أن يمارسوا حياتهم بحرية، ويلعبوا مع أقرانهم خارج المنزل ويكملوا مشوارهم التعليمي بشكل اعتيادي، ولكن هذا لا يمكن أن يتم خلال وجود الطفل في الحبس المنزلي مما يقيد حريته ويجعله متذمرا ومتوتراً وعدائياً بشكل مستمر، حيث يرى الطفل أصدقاءه وهم يلعبون في الخارج ويمرحون وهو لا يستطيع أن يشاركهم، فيصبح عصبياً ويصرخ على أهله دون داعٍ، ويبادلهم العناد والجدال لأنه يعتبرهم هم من يسجنونه ويقيدون حريته، وقد يضطر الأهل خوفا على ابنهم لضربه وتوبيخه، وهذا له آثار اجتماعية على طبيعة العلاقة داخل الأسرة الواحدة، ويخلق حاجزا وجدارا بين الطفل وذويه، كذلك فإن خوف الأهل على الطفل من إعادة اعتقاله وتعرضه للأذى من قبل الاحتلال تدفع الأهل إلى عدم السماح له بالذهاب إلى مدرسته.