وقع كل الفلسطينيين في حب تلك الطفلة الصغيرة التي ولدت تحديا للسجان ولقهر الزنازين وقسوة الأصفاد.. "ميلاد" ولدت برقتها وبراءتها لتعلن للعالم أن الفلسطيني لا تحده الظلمات ولو كان في عتم الأقسام والغرف والأقبية.
ولكنها اليوم وبعد سنوات من ولادتها، تعيش أياما قاسية على وقع مرض والدها الأسير المقاتل العنيد وليد دقة، الذي اتخذ من جدران السجن ألواحاً لتوسيع ثقافته وفكره فبات يعرف بالأسير المفكر.
اليوم تقف ميلاد مع والدتها على مشارف السجن لتنثران الأمنيات بالشفاء وكسر سياسة الإهمال الطبي كما كسرت هذه العائلة سياسة عزل الأسير ومنعه من الإنجاب، والكل في انتظار إعلان هذا الانتصار كما أُعلن عن انتصارات سابقة له حققها بصموده وصبره.
الأسير المفكر
في الخامس والعشرين من آذار/ مارس من عام 1986اعتقات قوات الاحتلال وليد دقة من بلدة باقة الغربية المحتلة عام 1948، ونزعته من بين عائلته المكونة من ثلاث شقيقات وست أشقاء، ثم حكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة بتهمة مقاومته لهذا المحتل، ثم تحديدها لاحقا بالسجن لمدة 37عاما، وبسبب سياسة التنغيص على الأسير وعائلته أضاف عام 2018 عامين على حكمه ليصبح الحكم 39 عاما.
ولكن الأسير لم توقفه أسوار السجن عن التطوير والإبداع، فيعتبر الآن أحد أبرز الأسرى في سجون الاحتلال الذي ساهم في العديد من المسارات في الحياة الاعتقالية للأسرى، وخلال مسيرته الطويلة في الاعتقال أنتج العديد من الكتب والدراسات والمقالات وساهم معرفيًا في فهم تجربة السّجن ومقاومتها، ومن أبرز ما أصدره الأسير: "الزمن الموازي"، "ويوميات المقاومة في مخيم جنين"، "وصهر الوعي"، و"حكاية سرّ الزيت"، و"حكاية سرّ السيف" مؤخرًا.
ولكن الاحتلال لم يترك الفرصة مواتية للأسير كي يعلن فكره للعالم، حيث تعرض لجملة من السّياسات التّنكيلية على خلفية إنتاجاته المعرفية بشكلٍ خاص، وسعت إدارة سجون الاحتلال لمصادرة كتاباته وكتبه الخاصة، كما واجه العزل الانفرادي والنقل التعسفي من سجن إلى آخر.
في عام 1999 ارتبط الأسير دقة بزوجته سناء سلامة، وفي شباط عام 2020، رُزقا بطفلتهما "ميلاد" عبر النطف المحررة.
المرض والقيد
مع بقية الأسرى وتحت الظروف الصحية المقيتة التي يعيشونها، عانى الأسير وليد دقة من عدة أمراض وأوجاع، ولكن الاحتلال كان يماطل في علاجه أو حتى إجراء الفحص الطبي له، ما فاقم من وضعه الصحي.
وبعد عدة محاولات لإجراء فحص طبي شامل أثبتت الفحوصات الطبية إصابة الأسير بنوع نادر من السرطان في النخاع، الأمر الذي وقع كالصاعقة على عائلته ومحبيه، وخاصة زوجته وطفلته اللتين تنتظرانه بكل أمل وحب.
ورغم ثبوت إصابته بالمرض إلا أن إدارة سجون الاحتلال بقيت تماطل في العلاج وتتلكأ في عمل المزيد من الفحوصات لمعرفة حجم تواجد المرض وسرعة انتشاره، ووقع الأسير ضحية سياسة الإهمال الطبي التي تعني حرمان الأسير المريض من حقه في العلاج والتي راح ضحيتها عشرات الأسرى بسبب فوات أوان الحصول على علاج.
ومؤخرا نقل الاحتلال الأسير دقة من سجن عسقلان إلى مستشفى صهيوني بعد تدهور حالته الصحية ومعاناته من أعراض جديدة تظهر تطور المرض وخطورة وضعه الصحي.
أما زوجته وطفلته فما زالتا تقفان على أعتاب الأمل بحريته ليعود إليهما ويعيش ثلاثتهم كأي عائلة بعد طول غياب وقهر وحرمان.