في الخامس والعشرين من حزيران/ يونيو عام 2006 كانت فلسطين على موعد غير مجريات الكثير من تاريخها، فالاحتلال استفاق يومها على عملية نوعية نفذتها المقاومة الفلسطينية أسفرت عن مقتل عدد من الجنود، وبينما هو يحصي قتلاه تفاجأ بفقدان أحد جنوده وبدأت حالة التخبط واضحة على المستوى العسكري والأمني وحتى السياسي الصهيوني.
هذا التخبط قابلته فرحةٌ على الجانب الفلسطيني، وخاصة أهالي آلاف الأسرى الذين وجدوا في فقدان الجندي بصيص أمل لعناق الحرية التي طال انتظارها، وبالفعل بعد عدة ساعات أعلنت المقاومة عن نجاحها في أسر الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط" الذي كان داخل المدرعة التي تم الهجوم عليها على حدود القطاع.
في بداية انتشار الخبر عمت الفرحة صفوف الأسرى الذين أكلت القيود من أجسادهم وأعمارهم، وبدأت التكبيرات تملأ أرجاء السجون وسط استنفار لإدارة السجون الصهيونية، واستمرت الحالة هذه لعدة أيام مع استمرار حالة الاندهاش لدى الاحتلال من تنفيذ هذه العملية رغم محاولته حماية جنوده من الأسر.
بعد عامين من أسره حاول الاحتلال إعادة الجندي عبر طرق عدة، أولها الوساطات والدعوات الدولية لفصائل المقاومة بضرورة الإفراج عن شاليط دون الالتفات إلى معاناة آلاف الأسرى في مقابر الأحياء، ولكن المقاومة كانت على وعدها بتحرير الأسرى عبر صفقة مشرفة، فكان رد الاحتلال هجوما وحشيا على قطاع غزة في ديسمبر من عام 2008 أدى إلى استشهاد مئات الأطفال والنساء والشيوخ ودمار هائل في المباني والمنشآت.
ورغم الجرح والألم، بقيت المقاومة على عهدها، وتمسكت بمطلبها إجراء صفقة مشرفة تضمن حرية مئات الأسرى، ووجد الاحتلال نفسه مضطرا لدخول جولات مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس المسؤول الرئيسي عن أسر الجندي، وبالفعل سجلت جولات عديدة فاشلة للمفاوضات بسبب تعنت الاحتلال وظنه أن المقاومة ستستسلم بسهولة لشروطه.
ولكن إصرارها المستمر على شروطها أدى إلى تحقيق حرية أكثر من عشرين أسيرة عام 2010 مقابل شريط مصور للجندي الأسير يظهر حالته الصحية وأنه على قيد الحياة، وكانت تلك المرحلة الأولى من الصفقة التاريخية.
وفي 18/10/2011 استقبلت فلسطين بشائر الحرية أخيراً، حيث تم الاتفاق على صفقة عرفت باسم "وفاء الأحرار" على أن تتم على مرحلتين يتم خلالهما الإفراج عن 1027 أسيرا، وشملت الدفعة الأولى 477 أسيرًا وأسيرة، معظمهم من أصحاب المحكوميات العالية والقدامى الذين أمضوا عشرات السنين داخل السجون، حيث كان منهم 131 أسيرا من قطاع غزة عادوا إلى منازلهم، و47 أسيرا من الضفة المحتلة عادوا إلى منازلهم دون قيود، و51 أسيرا من الضفة عادوا إلى منازلهم مع إجراءات تأمينية، واثني عشر أسيرا مقدسيا عاد منهم ثمانية إلى منازلهم دون قيود وأربعة بإجراءات تأمينية، وستة من الداخل المحتل عادوا إلى منازلهم، وأسير من هضبة الجولان السورية المحتلة، و163 أسيرا من الضفة والقدس تم ترحيلهم إلى قطاع غزة، و40 أسيرا أبعدوا خارج فلسطين بينهم 29 أسيرا من الضفة وعشرة من القدس.
كانت فرحةً لم تشهد فلسطين مثلها منذ سنوات طويلة، فالحرية عانقت الأهالي والتراب وحتى هواء الوطن السليب، وكانت أفواج المحررين تمر في شوارع الضفة والقدس والداخل قاهرةً عِداها الذي لم يتخيل يوما أن يفرج بيده عن أسرى كان يعتبرهم أكبر خطر على وجوده.
ولكن الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم في الضفة الغربية والقدس، لم يلبثوا كثيرا حتى بدأوا يتعرضون لمضايقات من الاحتلال واستدعاءات واعتقالات، بينما كان نقض العهد باعتقال العشرات منهم خلال شهري يونيو ويوليو من العام 2014 بعد عملية أسر ومقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل.
ورغم مرور هذه الأعوام إلا أن أمل الحرية ما زال يعانق عائلات الأسرى خاصة الذين مضى على اعتقالهم أكثر من 30 عاما وهم كثر، وكذلك يلوح في أفق الأسرى المرضى الذين باتوا يعدون أيامهم في ظل إهمال طبي متعمد، بينما الأسيرات يعشن على أمل الحرية القريب للخلاص من ظلم الأسر والبعد عن الأهل والأبناء.