أعد العدة وجهز نفسه بعد إلحاح شديد أن يلتحق بركب الشهداء، ودع بقلبه عائلته ومنزله وأصدقاءه وانطلق عازما أن يثخن في الاحتلال بعد المجازر التي نفذت في مدينته جنين عروس الضفة الغربية المحتلة.
لم يكن من السهل على من تعلق قلبه بالمقاومة أن يقف متفرجا على مجزرة مخيم جنين دون أن يتعهد بالرد والإيلام، ولأن أسيرنا كان من أوائل المقاومين قرر أن يكون واحدا من القنابل الموقوتة التي يخشاها الاحتلال ويخاف صنيعها.
الاعتقال
في الثامن عشر من يونيو/ حزيران عام 2002 كان موعد اعتقال الشيخ المجاهد عبد الرحمن صلاح "أبو محمد"، حيث طارده الاحتلال بعد اكتشاف تسجيل مصور له يتلو فيه وصيته قبل التوجه لتنفيذ عملية فدائية.
الشيخ عبد الرحمن كان يسكن مدينته جنين التي ولد فيها بتاريخ 18/1/1954 ، وهو متزوج وله سبعة أبناء، اثنان من الذكور وخمس بنات، أما ابنه محمد فاستشهد بتاريخ 8/11/2003 بعد اعتقال والده، وذلك خلال المواجهات والتصدي للاجتياحات.
كان والد الشيخ يعمل خبازاً وله من الإخوة أربعة ذكور وأختان، وكان منذ طفولته يحلم بالشهادة والاستشهاد، وشارك في فعاليات الانتفاضة واعتقل بسبب ذلك لعدة مرات.
التزم الشيخ بدينه منذ الصغر وكان مُتأثراً بجده الذي عمل مؤذناً في المسجد وكان يؤذن للصلاة أحياناً بدلاً منه، وكان مُداوماً على الصلاة في المسجد الكبير في مدينة جنين.
وكما الكثير من الفلسطينيين لم يستطع إكمال دراسته بسبب الظروف الحياتية القاسية وحصل على شهادة التوجيهي عام ١٩٧٩، ولكنه كان حريصاً على الثقافة الدينية وعلومها من خلال القراءة.
كان الشيخ من مُؤيدي ومُناصري حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ انطلاقتها، وانتمى لكتائب القسام في بداية انتفاضة الأقصى مع الشهيد نصر جرار والأسير المُبعد إلى غزة أحمد عيد، والأسرى المُبعدون إلى قطر محمد جرار وعصام جرار والأسير المحرر الدكتور أمجد قبها.
أما حبه لوطنه فلسطين فكان أكبر من كل شيء؛ فكان شديد الإلحاح على الشهيد نصر الجرار لتنفيذ عملية استشهادية في قلب الكيان، وزاد إلحاحه على إثر اجتياح مخيم جنين عام ٢٠٠٢ والمجزرة التي وقعت في المخيم التي شاهد بعينه جرائم الاحتلال فيها وأشلاء الشهداء المتناثرة في المخيم.
وبعد إلحاحه وافقت قيادة المقاومة أن ينفذ هو والمجاهد أحمد عيد عملية مزدوجة، وحاولا تنفيذ العملية مرتين ولكن لم يستطيعا بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذها الاحتلال.
وخلال مداهمات الاحتلال لمواقع المقاومين تم ضبط الشريط المُصوَّر للشيخ أبو محمد، فأصبح مطلوباً للاحتلال إلى أن تم اعتقاله بتاريخ 18/6/2002م وحُكم عليه بالسجن 25 عاماً.
الإفراج والمرض
في صفقة وفاء الأحرار كان موعد الحرية بعد تغييب لسنوات، تم الإفراج عنه وعاد إلى منزله في جنين التي ضحى لأجلها، ولكن الاحتلال الوحشي أعاد اعتقاله مع بقية محرري الصفقة في الضفة عام 2014 وأعيد له الحكم ذاته.
ما زال الشيخ يقبع في الأسر ويحلم بيوم حرية قريب، فهو كان على بُعد خطوات فقط من الشهادة التي لم تكتب له وكتب بدلا منها الأسر، فهو صابر محتسب في سبيل ذلك.
نهش المرض جسده ويتعمد الاحتلال إهماله طبيا كما بقية الأسرى، فتفاقمت حالته وبات على قائمة الأسرى المرضى، ويعاني الآن في سجنه من عدة أمراض منها الضغط والسكري وضعف النظر، حيث يعاني من عجز في العين اليمنى بنسبة صفر أي أنه لا يرى شيئا بها، أما عينه اليسرى فنسبة العجز فيها 90% ولا يستطيع تمييز كافة الأشياء، كما يسير باستخدام عكازة ويعاني من هزل في جسده وجفاف شديد وآلام حادة في الظهر "ديسك".