رغم منعها لكل شيء؛ ولكن لا تفلح أسوار السجون في منع روح الشهر الفضيل من زيارة الأسرى المحاصرين داخلها، فهي فرصة لهم للترويح عن أنفسهم قليلا في ظل ما يعيشونه من ضغط وقمع وتعذيب.
يشعرون أنه أجمل الأشهر رغم أن السجان يحرمهم معظم طقوسه وعاداته التي كانوا يعيشونها مع عائلاتهم في منازلهم الدافئة، ويعتبرون رمضان ضيفاً عزيزاً على قلوبهم حيث الأجواء الإيمانية والعبادة والبرامج الترفيهية، ولكن الاحتلال يقف كعادته حائلاً دون إتمام هذه الصورة.
تنغيص
لأن الأمل يحذوهم دائماً ولأن العزيمة لا تغادر نفوسهم؛ يصنع الأسرى أجواءهم بأنفسهم في شهر رمضان، حيث يكثفون العبادات وحلقات العلم والدروس الدينية ويتفقهون في دينهم، كما يحاولون صنع أصناف جديدة من الطعام من المواد البسيطة المتوفرة لديهم كالمعلبات والخبز، فيما يخصصون للحلويات مكانة خاصة لا تشبه فيها أي صنف من الحلويات المعروفة بسبب نقص كل ما يلزمها، ولكنهم رغم ذلك يحسنون تدبير ما يلزمهم ويتظاهرون بأن كل شيء موجود لديهم وزيادة!
ولكن الاحتلال له يد حتى في ذلك؛ فلا يروق له شعور الأسرى بالفرح خلال الشهر الفضيل؛ فتقوم بتنفيذ الإجراءات التي من شأنها أن تعكر صفو هذا الشهر وتلهيهم عن العبادة فيه كي لا يشعروا بخصوصية شهر رمضان.
إدارة السجون تتعمد في شهر رمضان تصعيد عمليات الاقتحام والتفتيش ومضاعفة سياسة الاستنفار تحت حجج وذرائع واهية، من أجل إرباك السجون وتوتيرها؛ والتي تستمر أحيانا منذ الصباح وحتى موعد الإفطار، أو تبدأ بعد الإفطار وتنتهي بعد أذان الفجر بعدة ساعات، أو عمليات النقل بدون مبرر، وكذلك حرمان الأسرى من أداء صلاة التراويح بشكل جماعي في ساحة السجن مما يضطر الأسرى إلى أدائها داخل الغرف بشكل منفرد.
ويحل شهر رمضان هذا العام في ظروف خاصة مع التوترات الشديدة التي سادت السجون والخطوات الاحتجاجية التي خاضها الأسرى خلال الأسابيع الماضية والتي كادت أن تصل إلى إضراب مفتوح عن الطعام في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، وحالت بينهم وبين الإضراب استجابة الاحتلال لمعظم مطالبهم، بينما ما يزال الأسرى الإداريون مستمرين في مقاطعة محاكم الاحتلال الإدارية منذ ما يزيد عن 3 شهور.
تناسي الجراح
يؤكد الأسير المحرر محمد المسالمة من الخليل أن الاستعداد لقدوم شهر رمضان يبدأ قبل قدومه بأيام، حيث يحاول الأسرى في هذا الشهر أن يتناسوا جراحهم ومعاناتهم وأن يعيشوه بكل تفاصيله الجميلة من عبادة ومرح وإعداد الطعام وإقامة المسابقات الترفيهية ويتكيفون مع كل الظروف بصبر وإرادة حديدية.
ويصف المسالمة السجون بأنها تصبح كخلية النحل ويحاول الأسرى استغلال كل دقيقة منه في قراءة القرآن، وقيام الليل، والابتهال إلى الله بالدعاء بتفريج كربهم، والتزاور فيما بينهم، وصناعة الحلويات وغيرها وإعداد البرامج الترفيهية ليلاً، فطبيعة حياة الأسرى تتغير كلياً في شهر رمضان.
وأضاف:" رمضان يعتبر ضيفاً عزيزاً على قلوب الأسرى، حيث تتغير عادات الأسرى وطريقة حياتهم عن الشهور الأخرى، حيث يبدأ كل أسير بإعداد برنامج رمضاني خاص به لقضاء الشهر، هذا عدا عن البرامج العامة التي تعدها قيادة الحركة الأسيرة للجميع وتشمل العمل الجماعي من صلاة وإعداد مسابقات وليالي سمر وغيرها".
ورغم هذه الصورة الجميلة يبقى وجع الحرمان والبعد عن العائلة هاجساً يلاحق الأسرى خلال شهر رمضان؛ حيث يستذكرون اجتماع العائلة بدونهم؛ ومنهم من لم يجلس على مائدة الإفطار منذ 40 عاماً والمئات لم يجلسوا منذ ما يزيد عن 20 عاماً، كذلك يتحرق ذووهم شوقاً للاجتماع بأبنائهم وخاصة في مثل هذه المناسبات.
17 غياباً
عائلة القيادي في حركة حماس الأسير نزيه أبو عون (58 عاما) من بلدة جبع جنوب جنين تعيش حالة من الحرمان بسبب اعتقال الاحتلال للأب والابن في سجونه، حيث لم تحظ عائلة الشيخ بالاجتماع على مائدة الإفطار في رمضان سوى ثلاث مرات طوال 17 عاماً بسبب تعمد الاحتلال اعتقاله قبل أو خلال شهر رمضان.
ويقول ياسين نجل الأسير إنه لم يقض أجواء رمضان سوى 3 مرات مع والده؛ حيث يتعمد الاحتلال دائما اعتقال والده قبل رمضان، مشيرا إلى أنه اعتقل العام الماضي قبل العيد بيومين، وتمنى أن يجتمع بوالده قريباً.
وأضاف أن الاحتلال يسرق الفرحة من العائلة، وأن أمنيتها بأن تجتمع أسرتها وتجلس معاً في رمضان، ولمزيد من التنكيل بالعائلة تمنع إدارة سجون الاحتلال الأب والابن من اللقاء حتى داخل السجن، حيث كان اعتقل القيادي أبو عون في مايو من العام الماضي وأصدر الاحتلال بحقه حكمًا بالسجن مدة 12 شهرًا، بينما اعتقل نجله إسلام في شهر مارس الماضي بعد دهم وتفتيش منزله في بلدة جبع، وأمضى القيادي أبو عون في سجون الاحتلال قرابة العشرين عاما.
وطالب مكتب إعلام الأسرى كافة المؤسسات الإنسانية والحقوقية وفي مقدمتها الصليب الأحمر الدولي الضغط على الاحتلال لمراعاة خصوصية هذا الشهر، واحترام الشعائر الدينية للأسرى، ووقف كل أشكال التنغيص عليهم وتوفير الاحتياجات الأساسية التي يحتاجونها في هذا الشهر الفضيل، ووقف عمليات الاقتحام والتنكيل بالأسرى.