أعدت طعام الإفطار وجلست على المائدة، تحدثت مع ناصر وسألته إذا كان ما زال يذكر طعم طهيها، ومدت الملعقة صوب إسلام ليتذوق الحساء الذي أعدته، أما نصر فنظرت إليه وناولته صحن المخللات التي طالما أحبها، بينما جعلت شريف يجلس بجوارها ليحدثها كما اعتاد، ومحمد جلس في مقابلها تنظر إليه وتحاول إشباع شوقها إليه.
هذه الحكاية التي نسجتها في خيالها والدة الأسرى لطيفة أبو حميد من سكان مخيم الأمعري برام الله مع بداية الشهر الفضيل، فكلما جاء رمضان اشتعلت الأشواق في صدرها أكثر من أي يوم لأنه شهر الجمعات العائلية، ولكنها تدرك أن كل عائلتها في الأسر هناك حيث القهر والظلم.
احتلت صورة أم ناصر وسائل الإعلام وهي جالسة على مائدة رمضان وحدها تلازمها صور أبنائها الخمسة الأسرى المحكومون بالسجن المؤبد، ولكنهم لم يعلموا أن الصورة تحكي أكثر من ذلك بكثير.
هذا العام ازداد قلب أم ناصر ثقلاً بعد ثبوت إصابة ابنها ناصر قبل أشهر بورم سرطاني في الرئة، وما المرض في سجون الاحتلال إلا موتاً بشكل آخر.
وتقول إنها حين علمت بإصابته بالمرض الخبيث أحست بأنه سيمر في رحلة عذاب طويلة، فالمرض في سجون الاحتلال يعني الألم والقهر والمماطلة، ويعني أن الأسير سيدفع ثمنا باهظا مقابل الحصول على شبه علاج.
وتشير إلى أن الاحتلال ما زال يماطل في علاجه ويضعه في مستشفى الرملة بعد أن أجرى له عملية جراحية، وعيادة الرملة تلك تفتقر لأدنى المقومات ويحشر فيها الاحتلال الأسرى المرضى معزولين عن العالم غارقين في أوجاعهم.
وتوضح أن المحامين أبلغوها مؤخرا أن سجن الرملة انتشر فيه فيروس "كورونا" ما يجعلها تزداد قلقا على نجلها المريض والذي لا يحتمل جسده أي أمراض أخرى في ظل نقص المناعة لديه ومعاناته مع انتشار المرض إلى أجزاء أخرى من جسده.
المنع الأمني!
وليس مرض ناصر فقط ما يقلق والدة الأسرى الخمسة؛ فظروف السجون المتأرجحة بين الحين والآخر تجعلها تعيش حياة ملأى بالتوتر والقلق على كل أبنائها، وأيضا على بقية الأسرى الذين أصبحوا كلهم كالأبناء مع رحلة السجن الممتدة منذ عام 2002 .
ورغم كل هذا القهر تحاول دولة الاحتلال الإمعان في ظلم العائلة؛ فتمنع الوالدة الصابرة من زيارة أبنائها والاطمئنان عليهم بحجة المنع الأمني، وما هي إلا ذريعة لزيادة الألم لديها والشوق تجاه أبنائها المكبلين بأصفاد السجون.
وتبين أم ناصر أنها طلبت زيارة نجلها المريض ناصر على الأقل؛ فرفض الاحتلال ذلك وتذرع بألف ذريعة لمنعها من رؤيته، لتعاود البكاء وحدها كل يوم منتظرة الفرج في كل لحظة.
وتختم قائلة:" أملي بالله وبعده بالمقاومة التي ننتظر أن تنجز صفقة مشرفة ثانية تعيد لنا أبناءنا من مقابر الأحياء".