يتكرر مصطلح الإهمال الطبي كثيرا عند وصف حال الأسرى في سجون الاحتلال؛ ولكن لا يشعر به حقاً إلا من جربه أو عانى من المرض وتخيل كيف يعيشه الأسرى فوق آلام تعصف بأجسادهم.
الأسرى المرضى يتعرضون للموت البطيء في سجون الاحتلال، هذه هي الحقيقة التي يتجاهلها الاحتلال كونه جزء كبير منها، فاستهتار إدارة السجون الصهيونية بحياتهم وعدم توفير الرعاية الطبية اللازمة لهم يفتح الباب لارتفاع قائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة التي وصلت الى (227) شهيداً بعد ارتقاء الشهيد سامي العمور خلال العام الماضي.
إمعان في الظلم
يبدأ الأمر بمرض الأسير؛ وهو الذي غالبا ما يكون نتيجة لظروف السجن القاسية، فالغرف الضيقة المكتظة وعدم وجود هواء نقي وزرع أجهزة التشويش وانعدام الظروف الصحية؛ كلها أسباب تؤدي إلى ارتفاع نسبة الأمراض بين الأسرى.
بعد ذلك يصبح الأمر أكثر سوءا؛ حيث تتعمد إدارة كل سجن ترك الأسير المريض يعاني بل يصل للرمق الأخير، وحتى حين تتأكد من سوء حالته الصحية تماطل في إجراء فحوصات طبية جدية وتصف لهم أدوية لا تسمن ولا تغني، وغالبا ما تتم معاينتهم بالنظر دون لمس الأسير، وأحيانا وصف العلاج والمداواة بالحديث معهم من خلف شبك الأبواب، إضافة إلى تأخير إجراء العمليات الجراحية للأسرى المرضى، أو إجراء تحاليل طبية وصور أشعة لعدة سنوات مما يفاقم حالتهم الصحية، وينعدم الأمل في شفائهم.
ويوضح إعلام الأسرى بأن طبيب السجن غالباً ما يكون طبيبا عاما؛ وفي بعض الأحيان ممرض، ولا يقدم سوى المسكنات للأسرى، والتي تتمثل غالباً في (حبة الأكامول)، كما لا يوجد في السجون أطباء مختصون كأطباء العيون والأسنان والأنف والأذن والحنجرة، بينما تعاني الأسيرات من عدم وجود أخصائية أمراض نسائية إذ لا يوجد لديهم سوى طبيب عام.
ويشير إلى أنه كذلك لا يوجد أطباء مناوبون ليلًا لعلاج الحالات الطارئة، ويتم نقل الأسرى المرضى لتلقي العلاج في المستشفيات وهم مكبلو الأيدي والأرجل في حافلات "البوسطة" السيئة بدلًا من نقلهم في مركبات إسعاف.
ويتعرض مئات الأسرى المرضى في سجون الاحتلال لأوضاع صعبة تفتقد للحد الأدنى من المقومات المعيشية والصحية السليمة، إضافة إلى ظروف التحقيق القاسية التي يتعرضون لها في بداية الاعتقال، ثم ما يتعرضون له من بعد ذلك من إهمال طبي متعمد؛ ما يؤدي إلى تردي أوضاعهم الصحية وإصابتهم بأمراض خطيرة.
أرقام مؤرقة!
أكثر من 700 أسير بأمراض مختلفة، بينهم حوالي 120 أسيرا يعانون من أمراض مصنفة خطيرة كأمراض السرطان والقلب والفشل الكلوي والسكري والشلل النصفي، وهناك حالات عديدة مصابة بأمراض عصبية ونفسية وعدد من الجرحى والمصابين بالشلل والمبتورة أياديهم أو أقدامهم، وهؤلاء جميعاً لا يتلقون الرعاية الصحية المناسبة.
ويبين إعلام الأسرى بأن مستشفى سجن الرملة وهو المستشفى الوحيد الذي ينقل إليه الأسرى المرضى يفتقد إلى كل المقومات الطبية والصحية حيث لا يختلف عن السجن في الإجراءات والمعاملة القاسية للمرضى؛ ويتواجد في هذا المستشفى 16 أسيرًا مريضًا بشكل دائم ومنذ سنوات ولم تتحسن أوضاعهم الصحية، كما لا يتوفر به أجهزة طبية مساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة كالأطراف الاصطناعية لفاقدي الأطراف والنظارات الطبية وكذلك أجهزة التنفس والبخاخات لمرضى الربو والتهابات القصبة الهوائية المزمنة، ويتعرض الأسرى فيه لعمليات اقتحام وتفتيش كما يجري في السجون ويصادر الاحتلال الدواء المخصص للأسرى.
ويعاني الأسرى المرضى من ظروف اعتقال سيئة تتمثل بقلة التهوية والرطوبة الشديدة والاكتظاظ ولا يقدم لهم طعام مناسب لحالتهم المرضية، بالإضافة إلى النقص الشديد في مواد التنظيف العامة وفي مواد المبيدات الحشرية التي تساعد على انتشار الأمراض.
أما سياسة الإهمال الطبي التي يستخدمها الاحتلال سبب رئيس في استشهاد 74 اسيراً في السجون منذ عام1967، كان آخرهم الشهيد "سامي العمور" الذي تعرض لإهمال طبي واضح بعد تردي وضعه الصحي نتيجة التأخر في عرضه على الطبيب، وسبقه الأسير " كمال نجيب أبو وعر" من جنين والذي ارتقى بعد 18 عاماً من الاعتقال نتيجة إصابته بمرض السرطان.
ويؤكد إعلام الأسرى أن الاحتلال ينتهك كل الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالرعاية الطبية والصحية للمعتقلين المرضى، وخاصة المادة 92 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أنه (تجرى فحوص طبية للمعتقلين مرة واحدة على الأقل شهريًّا، والغرض منها بصورة خاصة مراقبة الحالة الصحية والتغذوية العامة، والنظافة، وكذلك اكتشاف الأمراض المعدية، ويتضمن الفحص بوجه خاص مراجعة وزن كل شخص معتقل، وفحصا بالتصوير بالأشعة مرة واحدة على الأقل سنويا).
وناشد إعلام الأسرى كافة المؤسسات الطبية الدولية وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية بالخروج عن صمتها وإدانة الاحتلال تجاه ما يتعرض له الأسرى المرضى من جرائم واضحة تهدف لقتلهم بعدم تقديم العلاج المناسب لهم، والاستهتار بحياتهم.