تخرج من منزلها إلى مقر هيئة الصليب الأحمر؛ تحاول تلمس أي خبر عن زوجها القابع في زنازين القهر ينهشه المرض، تنهي زيارتها وهي تتحدث على الهاتف مع المحامي لتطلب منه زيارة علها تطمئن عليه وتطفئ نار قلقها.
هذا الجدول شبه اليومي لعائلة الأسير عبد الباسط معطان من قرية برقة شرق رام الله؛ ينهش مرض السرطان جسده منذ فترة وزاد الاعتقال قهرا فوق قهر ومرضاً فرق مرض.
لم يكتف الاحتلال باعتقال معطان بل حوله للاعتقال الإداري الذي لا ينتهي؛ وبعد إنهاء الأشهر الأولى في التمديد تم تجديد الاعتقال الإداري له مرة جديدة لثلاثة أشهر قبل أيام، وهو ما زاد قلق العائلة عليه.
تقول زوجته وهي تحمل صورته في إحدى الوقفات المساندة للأسرى المرضى وسط رام الله؛ إن زوجها يعاني من مرض السرطان في القولون والغدد الليمفاوية، ويحتاج لمتابعة طبية حثيثة وعناية فائقة كي يتمكن من هزيمة المرض.
وأوضحت أن الاحتلال ومنذ اعتقاله لم يجر للأسير أي فحص طبي؛ واكتفى بالقول إن حالته مستقرة ولكن دون إجراء فحوصات أو صور؛ وحين ضغط الأسير على إدارة السجن تم إعطاؤه قائمة بأبرز الفحوصات التي يجب إجراؤها وما زال ينتظر.
وأضافت بأن حالة الأسير غير معروفة حتى الآن لأن الاحتلال يماطل في إجراء الفحوصات؛ وهو ما تخشى منه العائلة خاصة في ظل تدهور أوضاع الأسرى المرضى في السجون وعدم توفير الرعاية الطبية الكافية لهم.
وقالت:" الأسرى المرضى يعانون؛ نحن نعلم أن عبد الباسط يعاني كثيرا دون رحمة منهم ولا رأفة؛ والآن وضعوه في الاعتقال الإداري الذي لا ينتهي ولا توجد له مدة محددة".
وطالبت الزوجة بضرورة توفير العلاج اللازم للأسرى المرضى وإنهاء معاناتهم خاصة المعتقلين منهم إداريا؛ حيث لا تهمة ولا محاكمة لهم ومعتقلون دون سبب.
واقع مؤلم
هذا هو المشهد المختصر لحياة الأسرى المرضى؛ ينتظرون علاجاً أو فحوصات على أسرّة المرض الحديدية في زنازين لا تتوفر فيها أي شروط لمريض أو جريح.
ويقدَّر عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال بنحو 600 أسير وأسيرة يعانون من أمراض متعددة وإعاقات جسدية ونفسية وحسية عديدة، وبين هؤلاء 300 أسير يعانون أمراضاً خطِرة ومزمنة كالسرطان والقلب والفشل الكلوي دون أن يحظى أي منهم بأي فرصة من العناية الطبية.
ولا بد من الإشارة إلى أن إدارة السجون الصهيونية لا تُجري فحوصات شاملة أو دورية للأسرى، خلافاً لما أتت به المادة 31 من اتفاقيات جنيف الثالثة، والمادة 92 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، وخلافاً للقواعد النموذجية لمعاملة السجناء الصادرة عن الأمم المتحدة.
وبسبب الإهمال الطبي المتعمد ارتقى من بين الأسرى نحو 227 شهيداً منذ سنة 1967، 71 أسيراً منهم كان الإهمال الطبي سبباً رئيسياً في استشهادهم؛ بالإضافة إلى مئات آخرين من رفاقهم الذين استشهدوا بعد خروجهم من السجن، متأثرين بأمراض أصابتهم في السجون.
وتشير المعلومات من داخل السجون إلى أن الاحتلال يتعمد إبقاء الأسير المريض في حالة من الانتظار؛ وذلك كي يزيد من تدهور وضعه الصحي، كما حدث مع الأسير الشهيد سامي العمور من قطاع غزة والذي كان يعاني لسنوات من قصور في عمل القلب؛ وتعرض لجلطة حادة مفاجئة، ولكن رغم تدهور وضعه وتعرضه للإغماء أبقاه السجانون في "المعبار" قبل نقله للمستشفى لمدة تزيد على ١٤ ساعة، وهو الزمن اللازم للقضاء على حياة أي شخص مريض بالقلب!
الأمر ذاته تعرض له الأسير المريض بالسرطان ناصر أبو حميد من مخيم الأمعري في رام الله؛ حيث بقي لعدة أشهر يعاني من آلام وحالات إغماء حتى نقله الاحتلال أخيرا للمستشفى؛ وبعد إجراء الفحوصات له أخبره أنه يعاني من ورم حميد في الرئة؛ ولكن حالة الأسير ازدادت سوءاً وتعرض لانتكاسات صحية عدة قبل نقله للمستشفى مجددا واكتشاف الورم بأنه سرطاني وليس حميدا، وكل ذلك يدفع ثمنه الأسير من صحته التي تدهورت وبات يتنفس عبر الأجهزة الصناعية.