فتىً في عمر الحرية والانطلاق وتحقيق الذات.. هكذا كان قبل أن تكبل قيود الاحتلال جسده وسنوات عمره وأحلامه، فالهدف منها دوماً وقف عجلة الحياة لمن يختاره ضباط الاحتلال في قوائمهم العنصرية.
وليست الأحلام بإنهاء الدراسة فقط هي ما كانت تشغل عقل الفتى أمل عرابي نخلة من مخيم الجلزون شمال رام الله؛ بل إن العلاج كان على رأس هرم الخطط القريبة والمستقبلية، حيث يعاني من مرض نادر وخطير يحتاج للمتابعة والرعاية الكاملة.
تلك العناية الطبية المستمرة تنعدم بالطبع في سجون الاحتلال؛ فالفتى اعتقل في بداية العام الماضي من منزله دون أي تهمة ليتم تحويله للاعتقال الإداري، وما زال إلى الآن رهن الإهمال الطبي والقيد الشرس والحرية المكبوتة.
يوضح مكتب إعلام الأسرى أن أمل يعاني من مرض نادر وخطير يدعى الوهن العضلي الشديد؛ والذي يستدعي رعاية خاصة بالمريض وتلقي الأدوية بانتظام، حيث قامت عائلته بإبلاغ جنود الاحتلال الذين اعتقلوه في ليلة شتاء باردة دون الاكتراث لتاريخه الطبي ونقلوه للتحقيق في سجن عوفر .
مكث نخلة ما يقارب أسبوعا في التحقيق الذي يرهق أجسادا قوية البنية؛ فكيف بفتى مريض أبعده المحتل عن أدويته وعلاجه ودفء عائلته التي تعتني به بشدة.
واعتبر المكتب أن حالة الفتى نخلة تعبر عن عجز المجتمع الدولي عن فرض معادلة حقوق الإنسان على الجميع بما فيها كيان الاحتلال الغاصب الذي يدوس على كل القيم والمبادئ ونصوص الاتفاقيات الدولية التي تُجرم اعتقال الأطفال وتجعله آخر الخيارات وفي حالات استثنائية خاصة، عوضاً عن تحويلهم إلى الاعتقال الإداري التعسفي دون تهمه والتجديد لهم لفترات أخرى كما جرى مع الفتى نخلة.
بعد التحقيق معه لما يقارب الأسبوع أصدر الاحتلال أمر اعتقال إداري بحقه عقب الفشل في تثبيت أي تهمة عليه؛ وهذا هو الحال في فلسطين؛ فمن تثبت براءته يتم تحويله للإداري البغيض دون تهمة ولا محاكمة ولمجرد الاعتقال والتغييب، حيث أصدر الحكم بالإداري لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد، وقامت المحكمة بعد ذلك بتثبيت اعتقاله على كامل المدّة، وادعى القاضي العسكري أن المواد السرية التي قدمتها النيابة العسكرية تشير إلى أنه يشكّل خطرا ً على أمن المنطقة، مما يستدعي إبقاءه رهن الاعتقال.
وأوضح إعلام الأسرى أن محكمة الاحتلال رفضت العديد من الطلبات والاستئنافات التي قدمت من عدد من المحامين ومؤسسات معنية بقضايا حقوق الإنسان، ومنها مؤسسة الضمير لإطلاق سراح الفتى المريض نظراً لحالته الصحية التي تحتاج الى رعاية خاصة، وقامت فور انتهاء الأشهر الستة الأولى بتجديد الاعتقال الإداري له لمرة ثانية بتهمة الملف السري وذلك لمدة 4 أشهر، ثم جددت له لمرة ثالثة لأربعة أشهر أخرى، مما يعد أطول فترة اعتقال إداري يقضيها فتى قاصر في سجون الاحتلال حتى الآن.
العلاج المعدوم
ولد الفتى نخلة قبل موعد ولادته الطبيعية بثلاثة أشهر؛ وتم تشخيصه لاحقا بمرض مناعي ذاتي حاد وهو الوهن العضلي الشديد؛ ما يفرض على عائلته القيام بنوع خاص من الرعاية له تجنبا للمضاعفات الصحية المحتملة؛ حيث يتوجب عليه تناول الأدوية بانتظام.
ولكن ذلك لم يكن التحدي الوحيد له ولعائلته؛ فبعد اعتقاله الأول الذي تحرر منه عام ٢٠٢٠ خضع أمل لعملية جراحية لإزالة كتلة سرطانية في الصدر، ما زال يعاني على إثرها من آلام في الرأس وضيق في التنفس، وبسبب وضعه الصحي لا يستطيع الفتى أن يتلقى أي لقاح ضد فيروس كورونا، ما يوجب عليه أن يأخذ مثبطات المناعة، وذلك يعني أن حياته معرضة للخطر إذا أصيب بالفيروس الذي ينتشر في سجون الاحتلال بشكل متزايد بسبب اكتظاظها الشديد وتدني مستوى نظافتها ومحيطها الصحي.
وقال المكتب إن الاعتقال الأول للفتى كان على حاجز عسكري قرب رام الله؛ وأثناء الاعتقال قامت قوات الاحتلال بتقييده وضربه بشدة؛ وقدمت النيابة العسكرية الصهيونية بحقه لائحة اتهام تتضمن إلقاء الحجارة، وهي التهمة التي توجه دائما ً إلى الأطفال الفلسطينيين.
وبعد مرور 40 يوماً على اعتقاله أصدرت محكمة الاستئناف العسكرية قراراً بالإفراج عنه لصغر سنه وحالته الصحية الجسدية والنفسية، واعترضت النيابة العسكرية على قرار إطلاق سراحه وتقدمت باستئناف على القرار وأصرت النيابة على تمديد اعتقال أمل، وعدم الإفراج عنه، حيث استجابت المحكمة للضغط وأجلت قرار الإفراج لعدة أيام، ثم قررت إطلاق سراحه وذلك في شهر أكتوبر من العام 2020، وبعد شهرين فقط أعيد اعتقاله.
عدة منظمات دولية طالبت الاحتلال بالإفراج عن الفتى نخلة بسبب وضعه الصحي الحساس؛ ولكن الاحتلال كالعادة لم يكترث لأي من ذلك ويبقي على اعتقاله رهن الإداري دون تهمة، فمتى تتوقف هذه المأساة بحق الأسرى؟ ومتى ينعمون بالحرية الكاملة دون الخشية من اعتقال إداري أو حكم جائر؟!