يتفحص مدينته جيدا؛ يؤرجح عينيه بين المباني والمنازل والشوارع؛ يدخل بيته وينظر بعمق في ملامح أفراد عائلته فهو لا يريد لهذه اللحظات أن تنتهي.
يستيقظ في اليوم التالي من تحرره على موعد "العدد الصباحي"؛ فهو أمضى ١٩ عاما متواصلة أسيرا لهذه المنظومة الصهيونية العنصرية، ينظر حوله فلا يجد أيا من مكونات الزنزانة ولا الأسلاك الشائكة ولا الحراسة.. يخرج من غرفته مسرعا صوب شرفة المنزل فيأخذ نفسا عميقا يملأ به صدره وترتسم ابتسامة على محياه، ثم سرعان ما تختفي حين يتذكر أن السجون لم تغلق بعد؛ وأنها ما زالت تضم آلافا من الأسرى منذ عقود.
ميلاد جديد
الأسير المحرر رائد حنتش من قرية باقة الحطب شرق مدينة قلقيلية تنسم الحرية مؤخرا بعد ١٩ عاما من الاعتقال فقد خلالها أعز من يملك وهما والداه.
يقول لـ مكتب إعلام الأسرى:" ليس هناك أعظم من الحرية في الحياة؛ فهي ميلاد جديد لحياة جديدة؛ وطول مدة الأسر تحجب عن الأسير أجيالا من البشر من محيطه العائلي، فلا أكاد أصدق ما حولي من حياة جديدة".
في أول أيام حريته استيقظ رائد مبكرا ليتجول في قريته ويرى ما الذي تغير فيها، وعاد لمنزله مذهولا من حجم التغييرات التي حدثت فيها خلال عقدين من اعتقاله.
ويرى المحرر أنه حين يفرض الاحتلال محطة الأسر على السجين فعليه الصبر والاحتساب لأمر الله تعالى، فإجراءات إدارة السجون قاتلة وعنصرية والحركة الأسيرة لولا تجربتها لكانت النتائج كارثية على الأسرى.
خلال فترة اعتقاله كانت هناك أجيال من عائلته لم يتعرف عليهم إلا بعد الإفراج عنه؛ فالزيارة ممنوعه إلا لمن هم من درجة القرابة الأولى، وبعد خروجه من السجن بدأ يتعرف عليهم مع صعوبة في حفظ الأسماء؛ فمنهم من كان في الشهور الأولى عند الاعتقال وغالبيتهم لم يكن موجودا وولد بعد اعتقاله.
ويوضح أن الكثير من سلوكيات الحياة بدت غريبة، فلم تعد هناك ظاهرة العدد للأسرى وهي ظاهرة مقلقة ومزعجة، ولم يعد هناك تفتيش وقمع ليلي وتفتيش الأرضيات والنوافذ؛ كما أن استخدام الهاتف الخلوي لم يعد سريا ومخيفا خوفا من انكشاف أمره، فالحياة كلها أصبحت بلا قيود.
وأضاف:" الاحتلال يهدف إلى تقييد حياة الأسير إلى الحد الأدنى ليكون أسيرا بكل القيود؛ كما ان المحيط العائلي له تأثير على نفسية الأسير؛ ففي الحرية المحيط اتسع إلى دائرة لم أكن أتوقعها وهذا أضاف عناصر لحياتي التي كانت مقيدة بإجراءات عنصرية وأمنية مشددة".
إنجازات
المحرر حننش كما غيره من الأسرى استغل فترة اعتقاله الطويلة؛ فحصل على الشهادة الجامعية الأولى بالإضافة إلى دورات علمية في كافة المجالات.
ويقول إنه في صفوف الحركة الأسيرة طاقات هائلة يستطيع الأسير الاستفادة منها؛ فالسجون عبارة عن مدارس وجامعات وهي ذات رسالة للأسرى تمكنهم من العيش في المستقبل بمهارات ضرورية.
وضمن محطات الحرية احتفل المحرر حنتش بحفل زفافه في العاشر من الشهر الحالي؛ أي بعد عشرة أيام فقط من حريته؛ وهذا بحد ذاته أكبر تحد للاحتلال وأساليبه النفسية.
ويعتبر أن الأحكام العالية لا تحرم الأسرى من الحياة الطبيعية؛ فقادة المخابرات الصهيونية يهدفون إلى تحطيم نفسية الأسير ولكن الأسرى في معركة تحد بشكل دائم، فهناك من ينجب من خلال النطف المحررة وهناك من يعقد قرانه داخل الأسر وهناك من تبقى خطيبته مقترنة به بالرغم من حكم المؤبدات مثل الأسير حسن سلامة.
وتابع:" عقدت قراني على زوجتي قبل ثلاث سنوات من الحرية؛ واليوم بعد الحرية كان الزواج والميلاد الجديد لحياة جديدة مع الألم لفراق الأحبة؛ ولكن سنة الحياة يجب أن تستمر ولن تتوقف الحياة عند قيود السجن والسجان؛ فالتحدي في الحياة رسالة أقوى من كل الأحكام والسجون وعذاباتها ".
وخلال حديثه لم يغفل المحرر عملية القمع الشهيرة التي حدثت للأسرى في سجن النقب في شهر نيسان من عام 2018؛ حيث اعتبرها من أشد المحطات إيلاما في حياتهم.
وأوضح أنه تم نقل الأسرى الجرحى بطائرات بعد استهدافهم بالضرب عقب طعن سجان من قبل أحد الأسرى؛ ولكن الحركة الأسيرة حققت إنجازا بعدها بإدخال الهواتف العمومية للسجون.
وكان المحرر رائد حنتش اعتقل وعمره 20 عاما بتهمة الشروع بقتل مستوطن؛ حيث اعتقل بتاريخ 31/8/2002 وأدخل التحقيق وصدر بحقه الحكم القاسي لمدة 19 عاما.